أدى واجبه على وجهه الأكمل ، وفي أذنيه دويّ التوجيه الإلهي.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)) [التوبة : ٥١].
ومواضع الرجوع إلى القضاء والتسليم لله فيما أراد ، كثيرة متنوعة ، وهي تعطي المسلم صلابة وقوة واندفاعا ، وتملؤه عزيمة وتحملا وجلادة.
هنا إرادتنا حرة
أما القسم الثاني من متعلقات القضاء والقدر ، فهو يتصل بأعمال على عكس الأولى.
ونحن نشعر حين أدائها بيقظة عقولنا ، وحركة ميولنا ، ورقابة ضمائرنا.
فما مدى صلتنا بها؟ وما معنى نسبة القدر إليها؟
الخطب سهل جدا ، وسنجيب على هذا التساؤل بما يذر شبه المشوشين هباء إن شاء الله.
إننا نحسّ باستقلال إرادتنا وقدرتنا فيما نباشر من أعمال تقع في دائرتهما ، وكان يكفي هذا الإحساس دليلا على حريتهما لو لا أن هناك من يزعم أن الإحساس يكذب أحيانا.
ولكننا نطمئن إلى صدق هذا الإحساس ونكذب ما يغض من قيمته بعد أن نرجع إلى القرآن الكريم نستفتيه في ذلك.
ونحن نجد القرآن يؤكد هذا الإحسان البديهي ، وينوه بحرية الإرادة الإنسانية.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩]. ولا يخليها من المسئولية الواضحة على ما يصدر منها : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)) [يونس : ١٠٨].
بل إن طبيعة الدين ـ وهي التكليف والابتلاء ، لا تتحقق البتة مع استعباد الإرادة وتقييدها ..