وإيقاع الجزاء كذلك لا يتوجه ويقر إلا في هذا الجو الطلق الفسيح.
وليس هنا موضع سرد الآيات الشاهدة لذلك. فالقرآن كله شواهد بينات ودلائل واضحات.
فما موقف العلم الإلهي من هذا النوع من الأعمال؟ هو الإحاطة التامة والشمول الكامل : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢].
ولكن كيف يتفق القول بحرية الإرادة والقول بأن أعمالنا لن تخرج عن دائرة العلم الإلهي المحيط الشامل؟
والجواب سهل : قف أمام مرآة مجلوة صافية وأنت عابس الوجه مقطب الجبين فما ذا ترى؟ سترى صورتك كما هي عابسة مقطبة.
أيّ ذنب للمرآة في ذلك؟ إن مهمتها أن تصف وأن تكشف وهي قد صدقت فيما أثبتت لك ، ولو كنت ضاحك الوجه لأثبتت لك على صفحتها خيالا ضاحكا لا شك فيه.
كذلك صفحات العلم الإلهي ومرائيه لا تتصل بالأعمال اتصال تصريف وتحريك ، ولكنه اتصال انكشاف ووضوح ، فهي تتبع العمل ولا يتبعها العمل.
غاية ما يمتاز به العلم ، أنه لا يكشف الحاضر فقط ، ولكنه يكشف ـ كذلك ـ الماضي والمستقبل.
فيرى الأشياء على ما كانت عليه ، وعلى ما ستكون عليه ، كما يراها وهي كائنة ، سواء بسواء؟
بقي بعد ذلك تفسير ما قررناه من شمول الإرادة العلياء ، ومن هيمنة القدرة العلياء على الخلائق كافة ، فما معنى ذلك وكيف يتفق مع حرية الإرادة الإنسانية؟
معنى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)
الخطب في ذلك سهل كذلك ، ولن نذهب في بيانه إلى أبعد من كتاب الله لمن شاء أن يفهم. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)) [القمر : ١٧].