وقال أيضا : فليسأل عنها ، وليطلب ما خفي فيه منها ، عند ورثة الكتاب ، الذين جعلهم الله معدن علم ما خفي فيه من الأسباب ، فإنه يقول سبحانه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)) [فاطر : ٣٢]. ولتكن مسألته منهم للسابقين بالخيرات ، فإن أولئك أمناء الله على سرائر الخفيات ، من منزل وحي كتابه ، وما فيه من خفي عجائبه ، فقد سمعت قول الله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل / ٤٣ ، الأنبياء / ٧] (١).
ولم يلقوا ـ فيما اشتبه منه ، ـ من جعلهم الله معدنه ، فيكشفوا لهم الأغطية عن محكم نوره ، ويظهروا لهم الأخفية من مشتبه أموره ، الذين جعلهم الله الأمناء عليها ، ومنّ عليهم بأن جعلهم الأئمة فيها.
وقال محمد بن القاسم : وسألته : عن الاختلاف الذي بين أهل البيت؟
فقال : يؤخذ من ذلك بما أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه ، وأما ما اختلفوا فيه فما وافق الكتاب والسنة المعروفة فقول من قال به فهو المقبول المعقول.
نظرته إلى الحجة
الحجج الأصلية عند الإمام ثلاث حجج ، العقل ، والكتاب ، والسنة ، وفي كل حجة منها أصل وفرع ، ويجب رد الفروع إلى الأصول.
قال : ثلاث عبادات من ثلاث حجج ، احتج بها المعبود على العباد ، وهي : العقل ، والكتاب ، والرسول. فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجة الكتاب بمعرفة
__________________
(١) المراد بأهل الذكر آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، روى فرات الكوفي عن أبي جعفر عليهماالسلام في الآية قال : نحن أهل الذكر ، وفي رواية : هم آل محمد. وعن زيد بن علي عليهماالسلام قال في الآية : إن الله سمى رسوله في كتابه ذكرا فقال : (أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً) [الطلاق / ١٠] ، وقال (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وكلاهما مصحفتان ، تفسير فرات ٢ / ٢٣٥ ، وأخرج الرواية الأولى محمد بن سليمان الكوفي في المناقب ١ / ١٣٠ (٧١) ، والثعلبي في تفسيره والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ٣٣٥ (٤٦٠).