التعبد ، وجاء الرسول بمعرفة العبادة. والعقل أصل الحجتين الآخرتين ، لانهما عرفا به ولم يعرف بهما ، فافهم ذلك.
ثم الإجماع من بعد ذلك حجة رابعة مشتملة على جميع الحجج الثلاث ، وعائدة إليها.
ثم اعلم أن لكل حجة من هذه الحجج أصلا وفرعا ، والفرع مردود إلى أصله ، لأن الأصول محكّمة على الفروع ، فأصل المعقول ما أجمع عليه العقلاء ولم يختلفوا فيه ، والفرع ما اختلفوا فيه ولم يجمعوا عليه. وإنما وقع الاختلاف في ذلك لاختلاف النظر ، والتمييز فيما يوجب النظر ، والاستدلال بالدليل الحاضر المعلوم ، على المدلول عليه الغائب المجهول. فعلى قدر نظر الناظر واستدلاله يكون دركه لحقيقة المنظور فيه ، والمستدلّ عليه ، فكان الإجماع من العقلاء على ما أجمعوا عليه أصلا وحجة محكّمة على الفرع الذي وقع الاختلاف فيه.
وأصل الكتاب فهو المحكم الذي لا اختلاف فيه ، الذي لا يخرج تأويله مخالفا لتنزيله. وفرعه المتشابه من ذلك فمردود إلى أصله ، الذي لا اختلاف فيه بين أهل التأويل.
وأصل السنة التي جاءت على لسان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة ، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول. فكل ما وقع فيه الاختلاف من أخبار رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع.
نهاية المطاف
ولما لم يجد الإمام القاسم الأنصار على الجهاد ولم تواته الفرصة للصمود أمام جبروت الدولة العباسية ، انتقل إلى الرس في آخر أيامه ـ وهي أرض اشتراها وراء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة بالمدينة المنورة قريبة من أبيار علي ـ من حيث يحرم للحج الخارجون من المدينة ، وإلى جبل الرس نسب الإمام. وبنى هناك لنفسه ولولده ، وتفرغ للعلم والتأليف ، وتوفي بها ، وقد حصل له ثواب المجاهدين من الأئمة السابقين سنة (٢٤٦ ه ٨٦٠ م) ، وله سبع وسبعون سنة ، ودفن فيها. وقد حاولنا