فجعائل لا بد لها من جاعل ، وفعائل لا تقوم أبدا إلا بفاعل ، ولن يوجد جاعلها وفاعلها إلا الله سبحانه ذو الأسماء الحسنى ، البريء من مشابهة الجعائل والفعائل في كل معنى.
ومن أسباب العلم به ودلائله ، بعد الذي أبان من أثر التدبير في جعائله ، أوثق وثائق(١) الأسباب ، مما فطر عليه بنية الألباب ، من العلم البتّ (٢) ، واليقين المثبت ، الذي لا يعتري فيه ـ بحقيقة ـ شكّ ولا مرية ، ولا تعترض فيما جعل من بصائره شبهة معشية (٣) ، من أن لكل ما أحسّ أو عقل ، مما أثّر سبحانه وجعل ، خلاقا (٤) متيقن معلوم ، لا تدركه الحواس ولا الوهوم. يعقل ويعرف بخلاف ما عقلت به الأشياء وعرفت ، فتخالفه ويخالفها بغير ما به في نفسها اختلفت. فهذان أصلان (٥) مجملان ، لمعرفة الله عزوجل ثابتان ، وشاهدان عدلان ، على العلم بالله باتّان.
[وسائل المعرفة]
ولن يخلو العلم بالله ، والوصول إلى المعرفة بالله (٦) ، من أن يكون مدركا :
ـ بمباشرة حس فيكون كمحسوس ،
ـ أو يدرك بمباشرة (٧) نفس فيكون كبعض ما يدرك من النفوس.
__________________
(١) الوثائق : أقوى العرى التي يتمسك بها.
(٢) البت : القطع ، أي : من العلم القطعي.
(٣) معشية : ملبسة.
(٤) في (ب) و (ج) : خلاف متيقن معلوم. وفي (د) : خلاق متيقن معلوم. وفي (أ) : خلاقا متيقنا معلوما. وقد لفقت النص من الجميع ليستقيم أسلوب الإمام في السجع ، ولهذا التلفيق وجه في اللغة ، مع احتمال أن تكون العبارة هكذا (من أنه لكل ... إلخ).
(٥) الأصلان اللذان ذكرهما الإمام هما :
١ ـ وجود المخلوقات المحكمة المتقنة التي لا بد لها من خالق.
٢ ـ أن خالقها يجب أن يختلف عنها وأن يعرف بخلاف ما به عرفت.
(٦) في (أ) و (ب) و (ج) : لله.
(٧) في (ب) : أو يكون مدركا بمباشرة ، وفي (ج) : أو يدرك من مباشرة.