يعاين من تنزيله من جو السماء ، فلا يقدر على إعذاب الماء وإنزاله ، إلا من يقد على إيجاجه (١) وإقلاله ، كما قال الله سبحانه : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ)(٧٠) [الواقعة : ٦٨ ـ ٧٠]. وكل فعل فرع لا يتم إلّا بأصله ، ففاعل الأصل أولى بفعل فرع أصله ، كشجرة (٢) النار ، وأصول الأشجار ، التي هي من الأرض والماء ، والجو والسماء.
فصنع هذه الفروع لمن كان له صنع الأصول ، لا ينكر ذلك منكر ولا يدفعه إلا بمكابرة فطر (٣) العقول ، كما قال الله سبحانه : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ)(٧٣) [الواقعة: ٧١ ـ ٧٣]. فكل ما نبه به (٤) من هذا ودل عليه ، فداع من معرفته سبحانه إلى ما دعا إليه.
ومن ذلك أيضا ، فقوله تبارك وتعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧) [الحديد : ١٧]. فإذا كانت حياة الأرض بعد موتها موجودة ، وميتتها التي كانت تعلم قبل حياتها مفقودة ، فلا بد اضطرارا ثابتا ، ويقينا لا تدفعه النفوس باتّا ، من إثبات مميتها ومحييها ، إذ بان أثر تدبيره فيها ، بأكثر مما (٥) يعقل من الآثار ، وأكبر مما (٦) تعرفه النفوس من الأقدار ، مما لم ير له في (٧) الحياة قط مؤثّر ، ولم يوجد له (٨) من المدبرين قط مدبّر ، إلا من يزعم أنه من الله لا منه ، ومن يقر أنه منه يقر أنه من الله دونه ، مثل المسيح بن مريم ، وغيره ممن أعطيه من ولد آدم.
__________________
(١) أي : إملاحه.
(٢) في (أ) و (ب) : كشجر.
(٣) جمع فطرة.
(٤) في (أ) : له.
(٥) في (ب) و (ج) : ما.
(٦) في (ب) و (ج) : ما.
(٧) في (أ) و (ب) و (ج) : من.
(٨) في (ب) و (ج) : في.