معرشه ، ولا بد لإخراج الضحى ، من مخرج وإن كان لا يرى ، ولا بد لدحو الأرض من داحيها ، لما تبيّن من شواهد الدحو عليها ، ولا بد لمخرج المرعى والماء من مخرجه ومرعيه ، ولا بد لما أرسي من الجبال من مرسيه ، لما فيها بيّنا من علم كل مرسى ، وإن كان هذا كله يدرك عقلا وحسا ، فلا بد من صانع السماء وبانيها ، ورافع سمكها ومسويها ، ومغطش ليلها ومخرج ضحاها ، ولا بد ممن خلق الأرض ودحاها ، وأخرج منها ماءها ومرعاها ، ومن نصب الجبال وأرساها ، ثمّ لا بدّ إذ (١) لم يوجد ذلك شيئا مما وجد (٢) بالحواس الخمس ، ولا شيئا مما أدرك بالعقول (٣) من كل نفس ، أن يثبت بأثبت الثبت ، وأيقن اليقين البتّ ، أن صانع ذلك كله ، ومن تولى فيه إحكام فعله ، خلاف سبحانه لكل محسوس ، ولكل ما يعقل من النفوس.
[استدلال إبراهيم عليهالسلام على الله]
ومن ذلك وفيه ، ومن الدلائل عليه ، قول إبراهيم عليه من الله أفضل الصلاة والسلام(٤) ، فيما دار بينه وبين قومه في الله من الجدال والخصام ، قوله تعالى : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٥٦) [الأنبياء : ٥٢ ـ ٥٦]. فشهد صلى الله عليه شهادة الحق لله رب العالمين ، ونبههم بشواهد الله ودلائله ، بما قد يرونه رأي عين من صنعه وجعائله.
أو لا يعلم من يعمى ويجهل؟! فضلا عمن يبصر ويعقل ، أن لو كانت ـ هذه
__________________
(١) في (ب) : إذا.
(٢) في (أ) و (ج) : وجدنا.
(٣) في (ب) و (ج) : يدرك بالعقول.
(٤) في المخطوطات : والتسليم. ولعل ما أثبت أصوب لتوافقه مع كلمة (الخصام) بعده.