السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٧٩) [الأنعام : ٧٨ ـ ٧٩].
والفاطر هو : المبتدئ الصانع ، والحنيف هو : المخبت (١) الخاشع ، فاستدل صلوات الله عليه بدلائل الله من سماواته وأرضه ، على أن الله صانع لذلك كله لا لبعضه ، وتبرأ صلى الله عليه من شرك كل من أشرك ، إذ رأى كل نجم منها إنما يسلك كما أسلك ، بما رآه بيّنا في جميعها ، من تدبير بديعها ، في الجيئة والطلوع ، والذلة الخشوع ، وعلم أنّه لا يكون ما رأى منها عيانا ، وأدركه فيها إيقانا ، من الطلعة والأفول ، إلا من مصرف ناقل غير منقول ، فقال صلى الله عليه : (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). الذين أشركوا بين المالك والمملوكين ، تجاهلا بما يعلمون ، ومكابرة لما يرون ، من التزايل والفرق ، بين الخالق والخلق ، والمبتدع والبدائع ، والصانع الصنائع.
وفي الدلالة على الله بدلائله ، وبما جعله دليلا عليه من جعائله ، ما يقول لهم صلى الله عليه ، فيما كانوا من الشرك فيه : (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(٨٢) [الشعراء : ٧٥ ـ ٨٢]. فلما رأى صلى الله عليه ما رأى من عالم ومعلوم ، وكل ما أدركه وهم من الوهوم ، ملكا مربوبا ، وصنعا مغلوبا ، قال صلى الله عليه : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ). الذي هو رب السموات كلها والأرضين.
ثمّ ابتدأ احتجاجا عليهم لله في معرفته ، بما لا يوجد سبيل إلى دفعه من صفته ، وما بان الله به من خصائص الأنعات ، التي لا توجد إلا فيما له من الصفات. قال صلى الله عليه : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(٨٢). فهو الله الخالق الذي لا خالق سواه ، والهادي الذي لا يشبه هدى هداه ، والمطعم الساقي الذي لا يطعم ولا يشرب إلا من أطعمه وسقاه ،
__________________
(١) المخبت : المطمئن المتواضع.