والشافي من كل سقم الذي لا يشفى من سقم أبدا إلا من كشف عنه سقمه فشفاه ، والمميت المحيي الذي لا يموت أبدا ولا يحيا إلا من أماته وأحياه ، والغافر الذي لا يظفر بالمغفرة إلا من وهبها إياه ، لا تؤخذ المغفرة منه كرها ولا قسرا ، ولا ينالها إلا من كان الله (١) له مغتفرا.
ألا تسمع كيف يقول صلى الله عليه : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٨٢). ويوم الدين ففيه يغفر الله لمن يشاء أن يغفر له من المذنبين ، فاستدل صلوات الله عليه ودل بما عدد من هذا كله على رب العالمين ، وليس مما دل به صلى الله عليه من دليل صغير ولا كبير ، يدل أبدا مستدلا إلا على الله العلي الكبير ، فذكر إبراهيم عليهالسلام مننا من الله لا يمنّ بها مآنّ ، وإحسانا من الله لا يمثّل به إحسان ، منها خلقه لأعضاء الانسان السليمة الظاهرة القوى ، التي ليس فيها لمدع من الأولين والآخرين دعوى ، والتي كلهم جميعا في الحاجة إليها سواء ، وكيف يصح في ذلك لمدع شيء لو ادعاه؟! وهو لا يقدر على أن يزيد (٢) مثقال ذرة في شيء من خلقه ولا قواه ، فكيف يعطي معط شيئا من ذلك أحدا سواه؟!
فهذا والحجة البالغة لله فما لا يمكن فيه الكيف ، ولا يتوهمه بصحة من الدعوى قوي من الخلق ولا ضعيف ، والحمد لله على ما أبان من برهانه وحجته (٣) ، لإبراهيم صلى الله عليه في محاجّته. وفي ذلك ما يقول سبحانه فيه ، لإبراهيم صلى الله عليه : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٨٣) [الأنعام : ٨٣]. وما ذكر صلى الله عليه من فعله به في المطعم والمشرب ، المشفي من المرض والوصب ، والموت والحياة ، والمغفرة للخطيئة والإساءة ، فما لا يدعيه مدع ولا يدّعى له أبدا بصدق ولا كذب ، ولا يوجد ما يرى من صنعه وتدبيره أبدا إلا للرب ، كما لا يرى صنع الأرض والسماوات ، وما بينهما من الفتوق والفجوات ، من صانع ولا خالق سوى الله ، فكذلك ما ذكر إبراهيم لا يكون إلا من
__________________
(١) سقط من (أ) : الله.
(٢) في (ب) و (ج) : يزداد.
(٣) سقط من (أ) : برهانه.