الله ، فلو لا صنع الله سبحانه للسماء ، لما ارتوى أهل الأرض من الماء ، ولو لا ما صنع الله منها ومن الأرض والهواء ، لما اغتذى أحد أبدا ولا ارتوى ، ولخفت كل مغتذ مواتا ، ولمات إذا لم يغتذ خفاتا ، فاحتج إبراهيم صلى الله عليه في الدعاء إلى الله من صنعه وخلقه ، ورزقه وغير رزقه ، بما لم تزل أنبياء الله عليهمالسلام قبله وبعده ، تحتج به لله على كل من أنكره وجحده.
[استدلال نوح عليهالسلام على الله]
فممّن (١) كان قبله ممن وهبه الله رسالته ، ودل على معرفة الله دلالته ، نوح صلى الله عليه ، إذ يقول لقومه فيما يدعوهم إليه ، من عبادة الله ومعرفته ، ويدلهم عليه بالخلق والصنع من صفته : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً)(٢٠) [نوح : ١٣ ـ ٢٠]. فأبان لهم صلى الله عليه فيما عدد كله أثر صنع الله برهانا واحتجاجا ، بخلقه لهم في أنفسهم أطوارا ، يريد بالأطوار طبقات ومرارا ، مرة من تراب وطين ، وطورا من ماء مهين ، ومرة مضغة وطورا علقة ، يصرّفهم سبحانه خلقة بعد خلقة ، ثمّ خلق الانسان عظاما ، ثمّ كسا العظام لحما ، ثمّ أنشأها خلقا آخر بشرا ، قد جعل له سمعا وفؤادا وبصرا ، كما قال سبحانه : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٢٤) [الملك : ٢٣ ـ ٢٤]. ومعنى ذرأكم : فهو كثّركم وأنماكم ، وكذلك فعل رب العالمين ، كما قال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤].
__________________
(١) في (أ) و (ب) : فمن.