عنه إلا من لا يبصر ولا يرى ، فلا (١) يجيب إلى الحقائق لله داعيا ، ولا يسمع بالدعاء إلى الله مناديا ، كما قال سبحانه : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(١٩٨) [الأعراف : ١٩٨].
[استدلال موسى وهارون عليهماالسلام على الله]
ومن مقاول رسل الله بعد يوسف صلى الله عليه وعليهم ، واحتجاجهم لله على عباده بدلائله فيهم ، قول موسى وهارون ، إذ أرسلهما الله إلى فرعون : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦]. فقال فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣]. قال موسى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(٢٤) [الشعراء : ٢٤]. يقول صلى الله عليه إن كنتم ممن يوقن في غيب بيقين ، أو يستدل فيما غاب عنه بدليل مبين ، استدلال ذوي العقول والألباب ، على ما غاب عن أبصارهم بتوار واحتجاب. وإنما يدرك ما غاب من الأمور بالفكر واليقين ، ويدرك ما حضر منها بالحواس من العين أو غير العين ، وذلك فإنما هو درك البهائم الخرس ، التي لا تدرك شيئا إلا بحاسة من الحواس الخمس ، ولا توقن أبدا بغائب غاب عنها ، ولا تدرك إلا ما كان شاهدا قريبا منها ، فأما أهل الألباب والعقول ، فيستدلون موقنين على الجاعل بالمجعول ، وعلى الغائب المتواري الخفي ، بالحاضر الظاهر الجلي.
وكل ما عظم من الدلائل وازداد عظما ، ازداد به موقنوه يقينا وعلما ، فلما كانت السماوات والأرضون ، أعظم ما يرون من الدلائل ويبصرون ، دلهم بهما على ربهما ، وأخبرهم أنهم إن لم يوقنوه بهما ، لم يوقنوه بغيرهما ، لما فيهما من دلائل اليقين بصنعه وتدبيره(٢) ، ف (قالَ) ـ فرعون ـ (لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ)(٢٥) [الشعراء : ٢٥]. فسألوا موسى كما سأله الملعون ، وارتابوا في قوله كما ارتاب فرعون ، فقال موسى صلى الله عليه لهم : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)(٢٦) [الشعراء : ٢٦]. فأخبرهم أن
__________________
(١) في (أ) و (ه) : ولا.
(٢) لعل هنا سقطا.