فمركّب لا يخفى على من فكّر فيه تركيبه ، وسواء في الفكر عنده بعيده وقريبه.
[قوى النفس]
والنفس فالدليل على تركيبها أنها ذات قوى شتى ، مختلفة وتبدّل (١) وتنقّل وتصرّف لا تخفى ، فمن قواها ، وإن كنا لا نراها ، بهيئة تبين ولا صورة ، أنها ذات ذكر وفكرة ، ومفكرها فغير ذاكرها ، وإذا ثبت ما ذكرنا من تغايرها ، صح بذلك أن لها قوى ، كانت لذلك أقساما وأجزاء ، وكل ذي قسم وأجزاء متغايرة ، مصوّرة كانت أو غير مصوّرة ، فهو مركّب غير شك ، ومدبّر في قدرة وملك ، ولتركيبها تصرفت وتنقلت ، فعلمت مرة وجهلت ، فتغيرت من جهل وطلاح ، إلى علم وصلاح ، ومن حزن وترح ، إلى سرور وفرح.
وقوى النفس فكثيرة أقسام ، ليس للنفس بغيرها تتمة ولا قوام ، ولا يزول قسم من أقسام النفس عنها ، إلا كان في زواله فناء ما كان موجودا منها ، فقوة النفس الأولى فهي القوة الغاذية ، (٢) وقوة النفس الحاسة فهي قوتها الثانية ، وقوتها الثالثة ، فهي الناهضة المتقابضة ، وقوة النفس الرابعة فهي (٣) المالكة من الشهوة والغضب بالفكر لما ملكت ، وأي هذه القوى كلها فني من النفس وهلك فنيت النفس بفنائه وهلكت ، وكل قوة من هذه القوى ، فمقسمة أقساما أجزاء.
ومن الدلالة على أن قوى النفس غير واحدة ، وأنها قوى كثيرة ذوات عدة ، ما ذكرنا من اختلاف أحوالها ، وتغيّرها وانتقالها ، وكل متغير ، فتركيبه نيّر (٤) والتركيب
__________________
(١) في (ب) و (د) : وتبدل. والظاهر أنها مصحفة. والأفعال الثلاثة أفعال مضارعة محذوفة التاء تخفيفا.
كقوله تعالى : (وَلا تَفَرَّقُوا). أي : تتفرقوا.
(٢) في (ب) و (د) : العادية.
(٣) في (ب) و (د) : فهو.
(٤) في (أ) و (ج) : بيّن. مصحفة.