فحدث (١) بيّن ، ولا بد لكل حدث من صانع محدث ، لا ينكر ذلك إلا كل مكابر متعبّث، (٢) ولا يكون حدث مصنوع مثل محدثه وصانعه أبدا ، ولا مشبها له في شيء من الأشياء ولا ندا ، لأنه أبدا (٣) إن أشبه المصنوع الصانع في معنى واحد من معانيه ، جرى في ذلك من المعنى على الصانع من الحدث ما يجري عليه ، صغر ذلك المعنى أو كبر ، وقلّ فيما يدرك منه أو كثر ، ولذلك جل الله سبحانه وتبرأ ، من أن يكون مشبها من خلقه لشيء مما يرى أو لا يرى ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(١٠٣) [الأنعام : ١٠٣]. و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)) [الشورى : ١١]. ويقول جل جلاله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٣]. فنفى سبحانه من قليل مشابهة خلقه في السّنة ما نفى من كثيرها ، تقدسا وتعاليا عن صغير المماثلة لخلقه وكبيرها ، فتعالى من ليس له مثل يكافيه ، ولا ند من الأشياء كلها يساويه ، ولا يشك فيه ولا يمتري (٤) إلا من جهل نفسه فهي أقرب الأشياء إليه ، وما يرى من السماوات والأرض خلفه وبين يديه.
[الدلائل على الله]
وفي أولئك ، ومن كان كذلك ، ما يقول رسل الله صلى الله عليهم ، لمن أرسله جل ثناؤه إليهم : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ٦]؟. تعجبا وإكبارا ، وتفحشا (٥) وإنكارا ، لشك الشاكّين ، مع ما يرون من فطرة الله في السماوات
__________________
(١) في (ب) و (د) : محدث.
(٢) في جميع المخطوطات متعنت. مصحفة. والصحيح ما أثبت. والله أعلم.
(٣) سقط من (ب) و (د) : أبدا.
(٤) في (ب) و (د) : ولا يمتري ولا يشك فيه.
(٥) في (أ) و (ج) : أو تفحيشا.