سنّه من الندم ، فإن قهر نفسه على تعوّض ما فرط ، أورده صغر الهمم في أعظم الورط ، وإن تمادى في التقصير ، دحض دحضة الحسير.
وإني لما زايلت قلة الآثام ، وخضت في أفانين الكلام ، وناسمت كثيرا من علماء الأنام ، أطللت على مكنون من العلم جسيم ، واستدللت على نبأ من ضمائر القلوب عظيم ، لأن صحيح الجهر ، يدل على كثير من مكنون السر.
واطلعت على ذلك بخصال أوتيتها ، وأخر تجنبتها ، فأما اللواتي أوتيت فذكاة الفطنة ، وقلة المشاحة في المحنة ، والاصغاء لأهل الافتنان ، والقبول من ذوي الأسنان ، وكثرة الاقتباس من أولي الحكم والأذهان ، والزهادة في الزائل الفان ، وصحة الناحية ، وتكافئ السريرة والعلانية ، وسلامة القلب ، وحضور اللب ، فافهموا يا بني.
وأما اللواتي اجتنبتها ، فمهازلة الحمقاء ، ومشاحنة الأدباء ، وترك ما تشره إليه النفس من عرض الدنيا ، والمكاثرة والحقد ، والظغن والحسد ، والاسترزاء للحرّ والعبد ، والمماكسة فيما يكسب الحمد.
يا بني فبعض هذه الخصال طبعت عليه بالتركيب ، وبعضها استعنت عليه بقبول تأديب الأديب ، والتمثل بالأريب اللبيب ، مع رغبة حداني عليها طلب الازدياد ، مما أرجو به النجاة في المعاد ، والزلفة يوم التّناد.
علم الإمام بلغة العرب
لقد هضم الإمام علوم الشريعة الإسلامية واستوعبها استيعابا دقيقا ، أصولا وفروعا وآدابا وأخلاقا.
ومما أعانه على ذلك ما ذكر سالفا من ذكاة الفطنة ، والحرص على الاستزادة والاستفادة من كل من له علم أو حكمة ، إضافة إلى معرفته الكاملة للغة العربية وآدابها ، فهو سليقي كما قيل :
ولست بنحوي يلوك لسانه |
|
ولكن سليقي أقول فأعرب |
وهذه المعرفة العميقة بدقائق اللغة وأساليبها هو الذي مكنه من التوفر على ذلك العلم ، والوقوف على أسرار القرآن الكريم.