وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) [البقرة : ١٦٤].
وفي ذلك ما يقول جل جلاله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)) [يونس : ٥]. فكان كما قال جل ثناؤه ، وصدق وعده وأنباؤه ، (١) خلق (٢) ما خلق في ذلك من الخلق ، مما ذكر في خلقه (٣) من الحقيقة والحق ، وفصّل فيه تبارك وتعالى كما قال : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) آياته تفصيلا ، فجعل كل شيء منه له آية وعليه دليلا ، فما ينكر ـ شيئا (٤) من ذلك بمكابرة ولا يجحده ، ولا يكابر الدليل فيه بمناكرة فيرده ، ـ إلا من لا يعقل ولا يعلم ولا يتقي ، ولقلة تقواه لله (٥) شقي بحيرته فيه من شقي ، وإنما يبصر ذلك ويتفكر فيه وينتفع به المتقون ، كما قال سبحانه : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) [يونس : ٦].
ألا ترى أنه ليس من المتحيرين في ذلك ولا من المنكرين ، ولا من الجاحدين له المكابرين ، من يرى (٦) أصغر صنع الصانعين بأكفهم ، لوهنهم عن الابتداع وضعفهم ، فليمتنع من الإقرار بصنعه وصانعه ، وإن كان صانعه بريا عندهم من ابتداعه ، ومن أنكر ذلك عنده ، وكابر فيه فجحده ، خرج بإنكاره لأقله ، (٧) من العقل وصفة أهله ، وقيل : ماله ـ ويله ـ ما أعماه؟ وأجهله بما لا يجهله (٨) أحد صحيح العقل فيما ظنه ورآه؟!
__________________
(٢) في (أ) و (ج) : ونباؤه. وفي (ب) و (د) : يخلق.
(٣) في (ب) و (د) : خلقه له.
(٤) في (أ) و (ج) : شيء.
(٥) في (ب) : ولقلة تقوى الله.
(٦) في (ب) و (د) : والمكابرين. وفي (ج) : من برّ. لعلها مصحفة. والحرف الأول مهمل.
(٧) في (ب) و (د) : أو كابر فيه وجحده. وفي (ب) : خرج من إنكاره. وفي (ج) : بإنكاره ولأقله.
(٨) في (ب) و (د) : لا يجهله (أحد صح عقله فما يرى ويعاين من ببصره ويراه ، ما هذا بصحيح العقل فيما يظنه ويراه) ، ويبدو لي أن هذه الفقرة (زيادة سهو). والله أعلم.