بسم الله الرّحمن الرّحيم
[مدخل إلى المناظرة]
قيل : كان وافى (١) مصر رجل من الملحدين فكان يحضر مجالس فقهائها ، ومتكلميها ، فيسألهم (٢) عن مسائل الملحدين ، وكان بعضهم يجيب عنها جوابا ركيكا ، وبعضهم يزجره ويشتمه ، فبلغ خبره القاسم بن إبراهيم عليهالسلام ، وكان بمصر متخفيا (٣) ، في بعض البيوت فبعث صاحب منزله ليحضره عنده ، فأحضره ، فلما دخل عليه قال له القاسم رضي الله عنه : إنه بلغني أنك تعرضت لنا ، وسألت : أهل نحلتنا (٤) ، عن مسائلك ، ترجو أن تصيد أغمارهم (٥) بحبائلك (٦) ، حين رأيت ضعف علمائهم عن القيام بحجج الله ، والذب عن دينه ، ونطقت على لسان شيطان رجيم لعنه الله : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)(١١٨) [النساء : ١١٤].
فقال الملحد : أما إذا عبت أولئك ، وعيّرتهم بالجهل فإني سائلك ، وممتحنك ، فإن أجبت عنهم فأنت زعيمهم (٧) ، وإلا فأنت إذا مثلهم.
فقال القاسم عليهالسلام : سل عما بدا لك ، وأحسن الاستماع ، وعليك بالنّصفة (٨) ، وإياك والظلم (٩) ، ومكابرة العيان ، ودفع الضرورات (١٠) ، والمعقولات ، أجبك عنه ، وبالله أستعين ، وعليه أتوكل ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
__________________
(١) في (ب) و (د) : كان في.
(٢) في (ب) : ويسألهم.
(٣) في (ب) و (د) : مستخفيا.
(٤) الانتحال : ادعاء الشيء وتناوله. مفردات الراغب ٤٨٥ ، وهو هنا بمعنى أهل ملتنا.
(٥) أغمار : جمع غمر بالضم : من لم يجرب الأمور.
(٦) الحبائل : جمع حبالة بالكسر : ما يصاد بها من أي شيء كان ـ النهاية ١ / ٣٣٣.
(٧) سقط من (أ) و (ج) : أجبت عنهم فأنت زعيمهم.
(٨) النّصفة بالتحريك : الإنصاف والعدل.
(٩) الظلم : هو تعدي وتجاوز الأمر الواضح المدلول عليه عقلا بزيادة منه أو نقصان.
(١٠) أي : بدائه العقول.