[الرد على ماني (١)]
ثم إن فرقة من الكفرة قادها عصيانها ، ونعق بقادتها في الكفر والعمى شيطانها ، إمامها المقدم ، وسيدها المعظم ، (ماني) الكافر بأنعم الله اللعين ، الذي لم يبلغ كفره قط بالله الشياطين ، ابتدع من القول زورا لم يسبقه إليه سابق من الأولين ، ولم يقل به قبله قط أحد من قدماء الخالين ، مع افتراق مللهم ، ومختلف سبلهم ، فزعم أن الأشياء كلها شيئان ، وقد يوجد خلاف زعمه بالعيان ، فلا يوجد بين ما ذكر من النور والظلمة فرقة ، إلا وجدت الأشياء كلها بمثله لهما مفارقة ، إلا أن الفرقة بين الأشياء أوجد ، ومن الأشياء للنور والظلمة أوكد ، مكابرة لعقول أطفال الأنام ، وتجاهلا بما تجهله بهيمة الأنعام.
ثم قال تحكما ، وافترى زعما ، أن الأشياء كلها من النور والظلمة مزاج ، وأنه لم
__________________
(١) ماني بن فاتك ، مؤسس المانوية ، ولد بجنوبي بابل نحو سنة (٢١٦ م) أي بعد ميلاد المسيح عليهالسلام ، واختلف في أصله ، إلا أن أقرب للصواب أنه كان فارسي الأصل ، وتربى تربية دينية ، هيئته فيما بعد إلى ادعاء النبوة هو في سن صغيرة في الرابعة والعشرين من عمره. أما عن أسباب ادعائه النبوة في هذه السن وبواعث ذلك فهو أمر يصعب معرفته أو التكهن به ، لأن أغلب المراجع التي أرخت له تقف عند أسباب ادعائه للنبوة ، إلا أن الظاهر من ذلك هو أن ميوله الشخصية وبيئته والتربية الدينية التي تلقاها قد أثرت كثيرا في ذلك. الموسوعة الفلسفية / ٤١٧.
وشرع يبشر بالمانوية وقصد الهند ، ولما ارتقى شابور عرش فارس (٢٤١ م) استدعاه ، لكن دعوته لاقت معارضة شديدة من كهنة الزرادشتية ، فلما نصب بهرام بن شابور ملكا قضى بإعدامه سنة (٢٧٢ م).
وتعتبر المانوية فرقة غنوصية مسيحية ، وهي من أخطر الدعوات على العقيدة المسيحية والأفكار التي تعرضت لها منذ بشر بها المسيح عليهالسلام ، بل تعتبر من أطول هذه الدعوات التي أثرت فيها ، إذ استمرت من القرن الثالث الميلادي حتى القرن الثالث عشر.
انتشرت المانوية وشاعت واعتنقها الكثيرون في سوريا وآسيا الصغرى والهند والصين ومصر وبلاد البلقان وإيطاليا وفرنسا ، وكان القديس أوغسطين نفسه مانويا لبعض الوقت.
وتقوم عقيدة المانوية على ثنائية الإله ، وهي أهم فكرة في هذه العقيدة ، فهناك إله للنور وإله للظلمة ، والأول إله للخير والخصب والثمار ، والثاني إله للشر والدمار.