وهذا أيضا يكذب قولهم ، أن يقال لهم : حدثونا ممن موجود الضحك والبكاء؟
فإن قالوا : هما من الظلماء. لم يصح أن يكونا وهما متضادان من واحد غير متضاد. وكذلك إن قالوا من النور لم يصح أن يكونا منه وهو واحد غير ذي تضاد.
وكذلك الجوع والشبع ، والصبر والجزع ، والفرح والحزن ، والجرأة والجبن ، وهذا كله ، وفرعه وأصله ، عندهم شرّ مذموم ، وفي كل حال مقبّح ملوم ؛ لأنه قد يضحك ويبكي ، ويصح في هذا الدار ويشتكي (١) ، ويجوع ويشبع ، ويصبر ويجزع ، ويفرح ويحزن ، ويجترئ ويجبن ، من يكون ذلك كله منه عندهم في بعض الحال شرا ، فكفى بهذا لمن أنصف الحق من نفسه منهم معتبرا.
فهذا أصل قول (ماني) النجس الرجيس (٢) ، الذي لم يسبق قوله فيه قول إبليس ، ولم يعب على الله بمثله قط عات ، ولم يقصر بمعتقده عن غايات الضلالات ، وعلى هذا ـ من قوله ، وما وصفنا فيه من أصوله ـ مات (٣) ماني لعنه الله لعنا كثيرا ، وزاده إلى ناره سعيرا.
[الرد على بن المقفع]
ثم خلف من بعد ماني أبي (٤) الحيرة والهلكات ، خلف سوء استخلفه إبليس على ما خلف ماني من الضلالات ، يسمى ابن المقفع (٥) ، لعنه الله بكل مرأى ومسمع ، فورث
__________________
(١) أي : يمرض.
(٢) في (أ) و (ج) : الرجس.
(٣) في (ج) : فات.
(٤) في (ب) : أبو.
(٥) ابن المقفع :
أبو محمد عبد الله روزبه بن داذويه. فارسي الأصل.
ولد حوالي سنة / ١٠٦ ه ، في قرية بفارس اسمها (جور). وهي مدينة (فيروزآباد) الحالية ، وقيل بالعراق.
لقب أبوه بالمقفّع ، بفتح الفاء ، لأن الحجاج ضربه فتقفعت يده ، أي : تشنجت.
وقيل : بكسرها لعمله القفعة ، وهي شبيهة بالزنبيل ، بلا عروة وتعمل من الخوص.