زهد الإمام
انقطع الإمام القاسم رضوان الله عليه ، إلى الله تعالى ... وعاش معه يرتل كتابه ويتدبر آياته. يسير أغواره ناظرا فيه بنور الله ، عارضا عليه سنة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، معمقا حصيلته من ذلك بالمخزون الشعوري والوجداني الهائل الذي منحه الله إياه .. المتمثل بحمل هم الآخرة والدنيا ... هم الوقوف بين يدي الله ، وهم المسئولية عن عباده.
لقد سلك الكثيرون صراط التزكية ، العلم ، العمل ، إلا أن الإمام وفقه الله جل وعلا أن يبلغ في كل ذلك الذرى ... لتصبح تجربته خطا وميزانا.
لا التزكية وحدها طريق إلى العلم .. ولا العمل وحده .. بل إنهما معا بمعزل عن العمل ، زوبعة سرعان ما تتلاشى.
(وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)) [البقرة : ٢٨٢].
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠].
(العلم يزكو على الانفاق) نهج البلاغة ـ الحكم ـ ١٤٧.
ولا انفاق للعلم أفضل من مواجهة سلاطين الجور بكلمة الحق .. ودعوة المستضعفين إلى نصرة دين الله وإعلاء كلمته.
وبمقدار البراءة من الطواغيت تكون ولاية الرحمن (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [البقرة : ٢٥٦] حتى يدخل الله الولي في درعه الحصينة التي يجعل فيها من يشاء ، فيصبح عينه التي بها يبصر ، وسمعه الذي به يسمع ، ويده التي بها يبطش.
وكما تصبح الرمية رمية الله .. تصبح الكلمة كلمة الله تسديدا من الله لعبده ، ووفاء بوعد الذكر لمن ذكره ، والاستجابة لمن دعاه.
ومعارضة الإمام للسلطة الحاكمة لم تكن طمعا في منصب ، أو حرصا على حطام الدنيا ، بل كانت أداء للأمانة وأمرا بالمعروف ، ونهيا عن المنكر ، تماما كما قال جده علي بن أبي طالب عليهالسلام : والله إن خلافتكم هذا لا تساوي عندي عفطة عتر إلا أن أقيم حقا أو أدحض باطلا.