ورع الإمام
كان الإمام القاسم يمثل سيرة جده علي بن أبي طالب عليهالسلام في ورعه وخشيته لله ، فكان في رقابة دائمة لله سبحانه وتعالى ، ينحسس مواطن رضاه فيتبعها ، ومواطن غضبه فيجتنبها.
قال الإمام أبو طالب : حدثني أبو العباس الحسني رحمهالله قال : سمعت أبا زيد بن محمد العلوي رحمهالله يقول : قلت لمحمد بن منصور : الناس يقولون : إنك لم تستكثر من القاسمعليهالسلام. قال : بلى ، صحبته فيما كنت أقع إليه خمسا وعشرين سنة. فقلنا له : إنك لست تكثر الرواية عنه! قال : كأنكم تظنون أنا كلما أردناه كلمناه! من كان يجسر على ذلك منا؟! ولقد كان له في نفسه شغل ، كنت إذا لقيته كأنما ألبس حزنا لتأسفه على الأمة ، وما أصيب به من الفتنة من علماء السوء وعتاة الظلمة (١).
وروى الإمام أبو طالب عن أبي عبد الله الفارسي ـ وكان خادم الإمام القاسمعليهالسلام وملازمه في السفر والحضر ـ قال : دخلنا معه عليهالسلام حين اشتد به الطلب ـ أظنه قال : أوائل بلاد مصر ـ فانتهى إلى خان ـ يعني فندقا ـ فاكترى خمس حجر متلاصقات ، فقلت له : يا بن رسول الله نحن في عوز من النفقة ، وتكفينا حجرة من هذه الحجر. ففرغ حجرتين عن اليمين وحجرتين عن اليسار ، ونزلنا معه الوسطى فيهن. وقال : هو أوقى لنا من مجاورة فاجر ، وسماع منكر (٢).
وروى أبو الفرج الأصبهاني أن الإمام القاسم : أراد الخروج واجتمع له أمره ، فسمع في عسكره صوت طنبور ، فقال : لا يصلح هؤلاء القوم أبدا ، وهرب وتركهم (٣).
وروى الإمام أبو طالب عن أبي عبد الله الفارسي قال : حججنا مع القاسم بن إبراهيم عليهالسلام ، فاستيقضت في بعض الليل وافتقدته ، فخرجت وأتيت المسجد الحرام ، فإذا أنا به وراء المقام لاطئا بالأرض ساجدا ، وقد بل الثرى بدموعه ، وهو
__________________
(١) الإفادة / ١٢٥. تتمة المصابيح / ٣٢٧. الشافي ١ / ٢٦٥.
(٢) الإفادة / ١٢٥.
(٣) مقاتل الطالبين / ٥٥٦.