(الرد على من أنكر من الجهمية (١) أن يكون الله سبحانه شيئا)
الحمد لله الذي علا على الخلائق ، فلم يغب عنه خفيات الأمور ، وكل شيء عنده بمقدار ، المنشئ لما أنشأه (٢) ، فشيأه شيئا كما شاء ، وجعله متناهيا محدودا ، آثار الصنعة له لازمة ، وأعلام العبودية فيه بينة ، فأنشأ ما أنشأ نحوين : أحدهما مبتدأ لا من شيء.
والثاني منقول من شيء إلى شيء ، ومحوّل من حال إلى حال ، ومن طبيعة إلى طبيعة ، كالمضغة تقلب من نطفة إلى علقة ، والعلقة حولت مضغة ، ثم جسّدها (٣) لحما وأنشأها إنسانا (٤) ، فصيّره بشرا مخالفا للبهائم ، في الشكل والهيئة ، احتجاجا من الله على خلقه ، بما أراهم من آياته فيهم.
وأن الله تبارك وتعالى وسم المعاني بأن قال : هي شيء ، لإخراجه لها من العدم إلى الوجود لا أنه (٥) وصفها بهذه الصفة بمعنى ، ولا فرق بينها وبين شيء ، إذ قال لها : إنها أشياء ، لأنه أخبرنا أنه خالق كل شيء ، فكل شيء سواه هو (٦) خلق شيء ، وكل خلق شيء ، فقد خلق النار والثلج ، فالثلج شيء ، والنار شيء ، وليس أحدهما بالآخر شبيها في لون ولا طبيعة ولا فعل ، وإنما تماثلا في الشيئية ، وقد اختلفا في الصفات ، وإنما سميت الأشياء بأن قيل لهذا : شيء وهذا شيء ، لإثبات الأشياء بأنها موجودة ، وأنها ليست بعدم ، وقد قال الله في كتابه : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨]. ذلك دليل على أن الله شيء لا كالأشياء ، إذ الأشياء تهلك ، وهو المهلك لما يشاء منها ، وقد قال الله في كتابه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) [الأنعام : ١٩]. فأخبر أنه
__________________
(١) الجهمية : نسبة إلى جهم بن صفوان ، تفردوا بأن لا فعل للعبد ، بل هو كالشجرة ، وفناء الجنة والنار ، وأن الإيمان المعرفة.
(٢) في (ب) و (د) : المشيء ما شاء. وسقط من (ب) : ما شاء.
(٣) في (ب) و (د) : جسدا.
(٤) في (أ) : إنشاء.
(٥) سقط من (ب) و (د) : إلى الوجود. وفي (أ) : الوجود لأنه.
(٦) سقط من (ب) : هو.