والفحص الدقيق في ضوء المنهج الإسلامي القائم على توحيد الخالق.
وقفة مع العمل والعصر :
ويعد عمل الإمام الإمام القاسم بن إبراهيم من الأعمال الفريدة في عصره ، لكثرة الأدباء والمؤرخين واللغويين في عصره ، ولم نجد من أرخ للمعارك الفلسفية والجدلية بين المسلمين وغيرهم ، وهي من أهم ثقافات ذلك العصر الذي عاش فيه ، فمثلا نجد من يؤرخ للفرق الإسلامية والثورات كثورة الزيدية أو الخوارج أو الزنج ، ولا يؤرخ للجدل الذي وقعت بسببه هذه الثورات فلا ندري لم اهتم المؤرخون بتسجيل الحروب والمعارك السياسية ولم يولوا الفكر الباعث على هذه الأحداث قدر هذا الاهتمام؟! وإذا كنا بصدد الحديث عن المناظرات بين الإسلاميين والزنادقة ، فإن الأمر يصدق إلى حد بعيد.
فلا نجد في كتب الفرق الإسلامية متى ظهر لفظ الزندقة على وجه اليقين ، ولكن نجده بكثرة على ألسنة الشعراء ، ويقينا لم يكن اللفظ ولا أصحابه ذا شأن في العصر الأموي عنه في العصر العباسي ، ويرجع ذلك لطبيعة العصر العباسي العلمية ، ودخول الثقافات الأخرى على الثقافة الإسلامية مما دعا لإعادة النظر في كل شيء ، وتأثرت مناهج العلوم الإسلامية بالمناهج الوافدة بما تحمله من شك فلسفي وجدل ، كما أن الثقافة الإسلامية في العصر الأموي كانت ذات طابع نقلي نصي ، فلم يكن هناك جدال حول النص القرآني ، ومع احتكاك المسلمين بغيرهم واختلاطهم بالثقافات الشرقية والغربية ، بدأ علم الجدل والدفاع عن العقائد في مقابل الآخر والذي هو صاحب السيادة في هذا المجال.
أيضا مركزية السلطة واستبداد العرب بالحكم في العصر الأموي ، ساعد على استقرار أو لنقل ركود الثقافة العربية ، ومع استيلاء العباسيين على الحكم ، وظهور حكومات فارسية أخذت تروج لأديانها ولغاتها ، فبدأ المسلمون يدافعون عن دينهم في مواجهة المانوية والزرادشتية والمزدكية ، وكذلك الزنادقة والفلاسفة.
ولم تكن المواجهة مع الآخر فكرية فقط ، ولكن اتخذت طابعا سياسيا ، فكان للمهدي دور بارز في قمع الزنادقة والتنكيل بهم ، واستحدث وظيفة في جهاز الحكم