لله تعالى عزّ عن ذلك وجها كوجه الإنسان.
ونحن سائلوهم وبالله نستعين ، ما ذا أراد الله بقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢٧) شيء منه دون شيء؟ أم هو الله تبارك وتعالى يبقى؟! لأنه ليس بذي جوارح متفاوتة ، فإن رجعوا إلى النظر ، وتصفية الجواب ، علموا أن الله أراد بقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ، يعني : يبقى ربك ، وإن كان شيء غيره فان ، لأن الله ليس مبعّضا يبقى وجهه دون أبعاضه ، تعالى الله عن التبعيض.
فإن تقحّم (١) ذو حيرة غمرات الكفر ، وزعم أن له أبعاضا أحدها وجه!!
قيل له : أخبرنا عن تلك الأبعاض التي أحدها وجه تفنى دون الوجه؟!
فإن زعم أنها تفنى دون الوجه صرح بشركه ، وإن زعم أن الأبعاض التي هي غير الوجه تبقى مع الوجه!
قيل له : من أين قلت إن كلها تبقى؟! وقد قال الله عزوجل في كتابه : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، والأبعاض التي هي غير الوجه هي شيء ، وقد قال الله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، ولن تجدوا حجة (٢) تدفعون بها الفناء عن الأبعاض التي هي سوى الوجه ، إلا أن ترجعوا إلى قولنا. وقد قال الله في كتابه : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)) [الروم : ٣٩]. وقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [الإنسان : ٩] ، فليس على الأوهام الطالبة إليه للحق في تأويل هذا مئونة ، إذا نظرت بصافي عقلها استبان أن معنى قوله : (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي تريدون الله وثوابه ، وقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) أي لله ، وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
وللوجه في القرآن معان في اللغة.
قال بعض العرب :
__________________
(١) التقحم : الرّمي بالنفس فجأة بلا رويّة.
(٢) في (أ) : تجدوا علينا حجة.