وزعموا أن وجهتهم جميعا تلقاء وجه الله ، وبطل قولهم : (خلق آدم على صورة وجه الله) (١) ، لأن الصورة وجه ، وهي لا تواجه إلا ما كان تلقاءها ، ومما يبطل به قولهم في
__________________
(١) في جميع المخطوطات : تؤده وجه الله. ولم أهتد فيها إلى معنى يتوافق مع السياق ، ومعنى تؤدة : في اللغة : التمهل والرزانة. والذي يبدو أنها تصحّفت من كلمة صورة ، سيما والحديث المشار إليه ذكرت فيه الصورة.
الحديث أخرجه البخاري (فتح ١١ / ٣). ومسلم (٤ / ٢٠١٧ رقم ١١٥). في الصحيحين من حديث أبي هريرة بلفظ (خلق الله آدم على صورته). ومثل هذا موجود في التوراة ، فقد جاء في القسم الأول من الفصل الخامس من سفر التكوين : (لما خلق الله آدم ، خلقه على صورة الله). وهذا الحديث باطل مردود إن لم يمكن حمله على وجه صحيح. قال الحافظ ابن حجر (قوله : خلق الله آدم على صورته). تقدم بيانه في بدء الخلق ، واختلف إلى ما ذا يعود الضمير ، فقيل : إلى آدم ، أي : خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط ، وإلى أن مات ، دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى. أو ابتدأ خلقه كما وجد لم ينتقل ـ في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة. وقيل : للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ، ولا أول لذلك. فبيّن أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة. وقيل : للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره. وقيل للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق فعل نفسه. (قلت يريد أن القائلين بأن الإنسان مخير في فعله قدرية ، وهم يعتقدون أن الانسان مسيّر لا مخير. وهذه عقيدة المجبرة وقد أبطلها الإمام القاسم عليهالسلام بكتاب الرد على المجبرة ، من هذا المجموع). ثم قال ابن حجر : وقيل إن لهذا الحديث سببا حذف من هذه الرواية ، وأن أوله قصة الذي ضرب عبده ، فنهاه النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وقال له : الله خلق آدم على صورته. انتهى كلام ابن حجر فتح الباري (١١ / ٣).
قلت : وتلك القصة التي أشار إليها الحافظ مروية في مسند أحمد (٢ / ٤٣٤). ورواها البخاري بنحوه في الأدب المفرد (٧٣). وابن أبي عاصم في سننه (٢٢٨ ـ برقم (٥١٦) (٥٢١). والبيهقي في الأسماء والصفات (٢٩١). بتحقيق الكوثري. وذكرها الحافظ ابن حجر نفسه في الفتح (٥ / ١٣٩). وهي بلفظ (لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فإن الله خلق آدم على صورته). أي : صورة المقول له قبح الله وجهك ... ويؤكد هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٢٠١٧). من حديث أبي هريرة عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه ، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته). تأمل!! وأما المشبهة : فإنهم يحملونه على معناه الظاهري ، ويعتقدون أن لله وجها وصورة ، بل قد وضعوا في ذلك كتبا مثل : عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن. للتويجري.