(الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين
تعالى عن ذلك)
الحمد لله الذي يدرك الأبصار ، ولا تدركه الأبصار (١) ، وهو الواحد المتكبر ، العزيز القهار : قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. زعم قوم من أهل الجهل أن العباد غدا يعاينون ربهم جهرة ، ينظرون إليه كما ينظر بعضهم بعضا ، محاطا به محدودا ، وتأولوا قول الله عزوجل : قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٢٣) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣]. وقوله تعالى : (* لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) (٢) وَزِيادَةٌ [يونس : ٢٦]. وقوله : قال تعالى : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) [المطففين : ١٥] ، وقوله : يخبر عن موسى عليهالسلام : قال تعالى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ، ونحن مقرّون بالنظر من أولياء الله في جنته على غير تحديد ولا إحاطة ، جل الله وعز وتعالى علوّا كبيرا.
والنظر له في لغة العرب معان :
__________________
(١) وعن أنس رضي الله عنه :
«أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّ بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول : «يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ، ولا يصفه الواصفون ، ولا تغيّره الحوادث ولا يخشى الدوائر ، يعلم مثاقيل الجبال ، ومكاييل البحار ، وعدد قطر الأمطار ، وعدد ورق الأشجار ، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار ، وما تواري منه سماء سماء ولا أرض أرضا ، ولا بحر ما في قعره ، ولا جبل ما في وعره ، اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتيمه ، وخير أيامي يوم ألقاك فيه.
فوكل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالأعرابي رجلا ، فقال : إذا صلى فائتني به ، فلمّا صلّى أتاه ، وقد كان أهدي لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذهب من بعض المعادن ، فلمّا أتاه الأعرابي وهب له الذهب ، وقال : ممّن أنت يا أعرابي؟ قال : من بني عامر بن صعصعة يا رسول الله ، قال : هل تدري لم وهبت لك الذهب؟ قال : للرحم بيننا وبينك يا رسول الله ، قال : إن للرحم حقا ، ولكن وهبت لك الذهب بحسن ثنائك على الله عزوجل)).
قال الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) في (١٠ / ١٥٨) : رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي وهو ثقة.
(٢) في جميع المخطوطات : (لَهُمُ الْحُسْنى). والآية كما أثبت. وهو سهو من النساخ.