بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله المحسن إلى جميع خلقه ، بما عمّهم من فضله وإحسانه ، الذي : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)) [النساء : ٤٠]. الذي خلق خلقه لعبادته ، وقوّاهم على طاعته ، وجعل لهم السبيل إلى ما أمرهم به ، كما قال سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦]. وقال : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥) [البينة : ٥]. وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤]. وقال لموسى وهارون صلى الله عليهما : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤)) [طه : ٤٣ ـ ٤٤].
فزعمت القدرية الكاذبة على ربها ، أن الله عزوجل عن قولهم : خلق أكثر خلقه ليعبدوا غيره ، ويتخذوا الشركاء والأنداد ، مع قوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [البقرة : ٢٢]. ومع قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) [النساء : ١ ، الحج : ١ ، لقمان : ٢٣]. وقوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النساء : ٥٩ ، المائدة : ٩٢ ، النور : ٥٤ ، محمد : ٣٣ ، التغابن : ١٢]. وقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [يونس : ١٠٨]. (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٣٩].
فزعموا أنه لم يرد منهم أن يطيعوا رسله ، وأن الله أمر بما لا يريد ، ونهى عما يريد. وخلقهم كفارا ، وقال الله : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠١]. ومنعهم من الإيمان ، وقال : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) [النساء : ٣٩]. وقال : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [الإسراء : ٩٤ ، الكهف : ٥٥]. ومنعهم من الهدى ، وأفّكهم ، وقال : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المائدة / ٧٥ ، والتوبة / ٣٠ ، والمنافقون / ٤]. وصرفهم عن دينه ، وقال : (أَنَّى يُصْرَفُونَ) [غافر : ٦٩].
فافهموا ـ وفقكم الله ـ ما يتلى عليكم من كتاب الله ، فإن الله يقول : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) [يونس : ٥٧]. ويقول : (لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ