تقول : إن الله سوّل لهم ذلك. وقال يوسف صلى الله عليه : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ٩٦]. وقال يخبر عن يونس ، عليهالسلام : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧]. والقدرية تزعم أن الظلم قضاء رب العالمين. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) [سبأ : ٥٠]. فجعل ضلالته من قبل نفسه ، وهداه من قبل ربه ، موافقة لله ، إذ يقول سبحانه : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢)) [الليل : ١٢]. وقال : (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)) [الطارق : ١]. وقال : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦]. أي لئلا تضلوا. وقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٢]. فكل ما كان من هدى فقد أضافه إلى نفسه ، وكل ما كان من ضلال فقد أضافه إلى خلقه ، والله أولى بما أضاف إلى نفسه ، والعباد أولى بما أضاف إليهم ، وكانوا هم المعتدين الظالمين ، الجائرين المخالفين لقضائه وقدره ، تبارك وتعالى.
فأقرّت الأنبياء ، صلوات الله عليهم بالإساءة والتقصير ، فيما أغفلت وقصّرت ، وأضافت ذلك إلى أنفسها ، وإلى الشيطان ، معرفة منهم بالله ، أنهم لم يؤتوا في ذلك من ربهم. وخالفت المجبرة والقدرية كتاب الله ، ووافقت الشيطان ، قلة معرفة منهم بعدل الله في خلقه ، ورحمته لهم ، وانتفائه من ظلمهم ، في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)) [النساء : ٤٠].
فقد ذكرنا جملة مما احتج الله على القدرية الكاذبة على الله في كتابه ، وعلى النبيين.
وكيف يتوهم عاقل ، أو ينطوي قلب مؤمن؟! أنه مصيب مع خلافه لقول الله وقول أنبيائه؟! إن من ظن ذلك لقد جهل جهلا مبينا ، وضل ضلالا بعيدا.
فزعموا من بعد ما حضرنا ما ذكرنا ، وما لم نذكر من حجج الله عليهم ، وما قد رد الله من مقالتهم ، وأكذبهم ما لا يحصى ، فزعموا أن الله خلق الخلق صنفين ، وجعلهم جزءين ، فجعل صنفا يعبدونه ، وصنفا يعبدون الشيطان ، وجعل من يعبد الشيطان أكثر ممن يعبد الله ، فأكذبهم بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦].