بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)) [الأنعام : ١]. يقول جل ثناؤه إن الكفار عبدوا إلها غير الله ، فقالوا هو ضياء ونور ، ومن جنسه النار والنور ، وجعلوا معه إلها آخر ، فقالوا : هو ظلمة ومن جنسه كل ظلمة. فعدلوا بالله جل ثناؤه حين شبهوه بالأنوار ، وجعلوا معه آلهة من الظلمات ، فأكذبهم الله جل ثناؤه إذ قال : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). تكذيبا لهم إذ شبهوه وعدلوا به ، وأكذب جل ثناؤه الذين شبهوه بالإنس من اليهود وغيرهم من المشركين ، جهلا به وجرأة عليه ، فقال جل ثناؤه مع ما بيّن لهم في عقولهم من وحدانيته ، ونفى شبه الخلق عند ما يرون من أدلته وأعلامه ، التي تدعوهم إلى معرفته وتوحيده ، من خلق السماوات والأرض ، وما فيهما وما بينهما ، ومن أنفسهم لو أحسنوا النظر ، وأعملوا في ذلك الفكر ، فقال جل ثناؤه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [الإخلاص : ١ ـ ٤]. وقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). وقال : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧].
كذلك الله عزوجل شاهد كل نجوى ، عالم السر وأخفى ، قريب لا بمجاورة ، بعيد لا بمفارقة ، شاهد كل غائب ، آخذ بناصية كل دابة ، وعليه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ، أقرب إلينا من حبل الوريد ، وخائل بيننا وبين قلوبنا (١) لا بتحديد ، وهو مع قربه منا مدبر السماوات العلى ، وشاهد الأرضين السفلى ، وعليم بما فيهن وما بينهن وما تحت الثرى ، وهو على العرش استوى ، وهو مع كل نجوى ، وهو في ذلك لا كشيء من الأشياء.
[أسباب وعلل التشبيه]
ولقد ضل قوم ممن ينتحل الإسلام من المشبهة الملحدين ، الذين شبهوا الله عز ذكره بخلقه ، وزعموا أنه على صورة الإنسان ، (٢) وأنه جسم محدود ، وشبح مشهود ،
__________________
(١) في (أ) و (ج) : قولنا.
(٢) إشارة إلى ما رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : لا تقبح الوجه فإن آدم خلق على ـ