[القرآن كلام الله مخلوق]
وقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤]. فذهبت المشبهة إلى أن الله تعالى عما قالوا علوا كبيرا : تكلم بلسان وشفتين ، وخرج الكلام منه كما خرج الكلام من المخلوقين ، فكفروا بالله العظيم حين ذهبوا إلى هذه الصفة.
ومعنى كلامه جل ثناؤه لموسى صلوات الله عليه عند أهل الإيمان والعلم : أنه أنشأ كلاما خلقه كما شاء ، فسمعه موسى صلى الله عليه وفهمه ، وكل مسموع من الله جل ثناؤه فهو مخلوق. لأنه غير الخالق له وإنما ناداه الله جل ثناؤه ، فقال : (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [القصص : ٣٠]. والنداء غير المنادي ، والمنادي بذلك هو الله جل ثناؤه ، والنداء غير الله ، وما كان غير الله مما يعجز عنه الخلائق فمخلوق ، لأنه لم يكن ثم كان بالله وحده لا شريك له.
وكذلك عيسى صلوات الله عليه كلمة الله وروحه ، وهو مخلوق كما قال الله في قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) [آل عمران : ٥٩]. وكذلك قرآن الله وكتب الله كلها ، قال الله جل ثناؤه : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣]. يريد : خلقناه. كما قال : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر : ٦]. يقول : خلق منها زوجها. وقال جل ثناؤه : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) [الأنبياء : ٢]. وقال تبارك وتعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) [القلم : ٤٤]. وقال سبحانه : (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) [طه : ٩٩]. فكل محدث من الله جل ثناؤه فمخلوق ، لأنه لم يكن فكان بالله وحده لا شريك له ، فالله أول لم يزل ولا يزول.
وأما قوله : (سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (١). فمعنى ذلك : أنه لا تخفى عليه الأصوات ولا اللهوات ، ولا غيرها من الأعيان ، أين ما كانت وحيث كانت ، في ظلمات الأرض
__________________
(١) وهما في حق الله بمعنى عالم. والدليل على ذلك قوله سبحانه : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [التوبة / ٧٨] ، والسر : ما انطوت عليه الضمائر قال تعالى : «فأسر يوسف في نفسه» والضمير لا يسمع بل يعلم ، وقوله (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) أي : علمت.