[العدل]
وعلى العبد : إذا وحّد الله جل ثناؤه ، وعرف أنه ليس كمثله شيء ، أن يتّقيه في سره وعلانيته ، ويرجوه ويخافه ، ويعلم أنه عدل كريم ، رحيم حكيم ، لا يكلف عباده إلا ما يطيقون ، ولا يسألهم إلا ما يجدون ، ولا يجازيهم إلا بما يكسبون ويعملون. وهكذا جل ثناؤه قال ، يدل بذلك على رحمته لنا : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، و (... إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧]. وقال : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧]. فلم يكلف الرحيم الكريم أحدا من عباده ما لا يستطيع ، بل كلفهم دون ما يطيقون ، ولم يكلفهم كل ما يطيقون. وعذرهم عند ما فعل بهم من الآفات التي أصابهم بها ، ووضع عنهم الفرض فيها ، فقال لا شريك له : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [النور : ، الفتح : ١٧٦١]. لأنهم لا يقدرون أن يؤدوا ما فرض الله عليهم ، ولم يقل جل ثناؤه : ليس على الكافر حرج ، ولا على الزاني حرج ، ولا على السارق حرج. وذلك أنه لم يفعل ذلك بهم ، ولم يدخلهم فيه ، ولم يقض ذلك ولم يقدره ، لأنه جور وباطل ، والله جل ثناؤه لا يقضي جورا ولا باطلا ولا فجورا ، لأن المعاصي كلها باطل وفجور ، والله تعالى أن يكون لها قاضيا ومقدرا ، بل هو كما وصف نفسه ، جل ثناؤه إذ يقول : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) [الأنعام : ٥٧]. بل قضاؤه فيها كلها النهي عنها ، والحكم على أهلها بالعقوبة والنكال في الدنيا والآخرة ، إلا أن يتوبوا فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
أليس قال جل ثناؤه في الصيام : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥]. (١) فوضع عن المرضى الصيام ، لأنهم لا يقدرون عليه ، ووضعه عن المسافر وإن كان يقدر عليه ، يخبرهم أنه إنما يفعل ذلك لأنه يريد بهم اليسر ، ولا يريد بهم العسر ، ووضع عنه الصلاة قائما إذا لم يقدر على القيام ، وأباح له أن يصلي جالسا ، وإن لم يقدر على الصلاة
__________________
(١) في المخطوطات : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ ....) والآية كما أثبت.