[الهدى والضلال]
وعلى العبد أن يعلم أن الله جل ثناؤه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وأنه لا يضل أحدا حتى يبين لهم ما يتقون ، فإذا بيّن لهم ما يتقون ، وما يأتون وما يذرون ، فأعرضوا عن الهدى ، وصاروا إلى الضلالة والردى ، أضلهم بأعمالهم الخبيثة حتى ضلوا ، كذلك قال جل ثناؤه : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ٢٧]. وقال سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [البقرة : ٢٦ ـ ٢٧]. وقال تبارك وتعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥]. وقال جل ثناؤه : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) [النساء : ١٥٥].
وقد يجوز أيضا أن يكون معنى يضل : أن سمّاهم ضلّالا ، وشهد عليهم بالضلال ووصفهم به ، من غير أن يدخلهم في الضلالة ويقسرهم عليها ، فإن رجعوا عن الضلالة وتابوا ، وصاروا إلى الهدى ، سمّاهم مهتدين ، وأزال عنهم اسم الضلال والفسق. ولم يبتدئ ربنا جل ثناؤه أحدا بالضلالة من عباده ، ولا وصف بها أحدا من قبل أن يستحقها ، وكيف يبتدئ أحدا من عباده بالضلالة؟! كما قال القدريون الكافرون الكاذبون على الله. والله جل ثناؤه ينهى عباده عنها ، ويحذرهم إياها. ويقول : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء: ١٧٦]. يعني لئلا تضلوا. وقال جل ثناؤه : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)) [إبراهيم : ١]. وقال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١]. ولو ابتدأهم بالضلالة كان قد غيّر ما بهم من النعمة قبل أن يغيروا ، سبحانه هو (١) أرحم الراحمين ، وخير الناصرين. يريد بذلك وصف نفسه.
وأمّن (٢) الخلق أن يكون لهم ظالما ، أو بغير ما عملوا مجازيا ، فقال جل ثناؤه : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣].
__________________
(١) في (ب) و (د) : سبحانه وهو.
(٢) في (أ) و (ج) : وأمر مصحفة.