وقال سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] وقال تبارك وتعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)) [الزلزلة : ٧ ـ ٨]. وقال عز ذكره : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦]. فللعبادة خلقهم ، وبطاعته أمرهم ، ومن ظلمه أمّنهم ، وبنعمته ابتدأهم ، بما جعل لهم من العقول والأسماع والأبصار ، وسائر الجوارح والقوى ، التي بها يصلون إلى أخذ ما أمرهم به ، وترك ما نهاهم عنه ، ثم ابتدأهم جل ثناؤه بالنعمة في دينهم ، بأن بيّن لهم ما يأتون وما يذرون ، ثم أمرهم بما يطيقون. أراد بذلك إكرامهم ، ومن المهالك إخراجهم ، بيّن ذلك بقوله في الإنسان : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)) [البلد : ٨ ـ ١٠]. هما : الطريقان ، الخير والشر فيما سمعنا. يقول الله سبحانه : بيّنا له الطريقين ، ليسلك طريق الخير ويجتنب طريق الشر. وقال تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم : ٢٣]. وقال عزوجل : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢)) [الليل : ١٢]. وقال جل ثناؤه : (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)) [الأعلى : ٣]. وقال تبارك وتعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ) [النحل : ٩] (١). وقال سبحانه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧]. وقال لنبيه صلوات الله عليه وعلى آله : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)) [سبأ : ٥٠]. فأمر نبيه صلى الله عليه أن ينسب ضلاله (٢) إن كان منه إلى نفسه ، والهدى إلى ربه تبارك وتعالى ، وقد علم الله جل ثناؤه أن لا يكون من نبيه ضلالة أبدا ، وأن لا يكون منه إلا الهدى ، وإنما أمر بذلك تأديبا لخلقه ، وأن ينسبوا ضلالتهم إلى أنفسهم ، وينزهوا منها ربهم ، وأن
__________________
(١) أي : وعلى الله بيان الطريق المستقيم ، كقوله (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) ومن السبيل طريق جائر أي : عادل عن الحق ، فعلى الله بيان الطريقين وآخر الآية (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) يعني : لو شاء مشيئة جبر وقسر وإلجاء لهداكم الطريق المستقيم. ولكنه أمر تخييرا ونهى تحذيرا ليتم التكليف. وعلى الناس الاختيار فمن عمل صلاحا فلنفسه ومن أساء فعليها.
(٢) في (ب) و (د) : ضلالة إن كانت.