[المعاصي فعل الإنسان وتزيين الشيطان]
فمن أحسن فليحمد الله جل ثناؤه ، إذ أمره بالخير وأعانه عليه ، ومن أساء فليذم نفسه فهي أولى بالذم ، (١) وليضف المعصية (٢) إذ كانت منه إلى نفسه الأمارة بالسوء ، وإلى الشيطان إذ كان بها آمرا ولها مزيّنا ، كما أضافها الله جل ثناؤه إليه ، (٣) وأضافها الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحون حين عصوا الله إلى أنفسهم ، قال آدم وحواء صلوات الله عليهما حين عصيا في أكل الشجرة : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)) [الأعراف : ٢٣]. فأخبر سبحانه أن الشيطان دلّاهما بغرور ، ثم حذّر أولادهما من بعدهما إعذارا إليهم ، وتفضلا عليهم ، فقال : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٧].
وقال موسى صلوات الله عليه حين قتل النفس : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٥]. وقال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي
__________________
(١) روي أن الحجاج بن يوسف كتب إلى أربعة من العلماء وهم : الحسن بن أبي الحسن البصري ، وواصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ، وعامر الشعبي رحمهمالله يسألهم عن القضاء والقدر يعني بمعنى الخلق لأفعال العباد؟
فأجابه أحدهم : لا أعرف فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وهو قوله عليهالسلام : (أتظن أن الذي نهاك دهاك ، إنما دهاك أسفلك وأعلاك ، وربك بري من ذاك).
وأجابه الثاني فقال : لا أعرف فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قولهعليهالسلام : (أتظن أن الذي فسح لك الطريق ، لزم عليك المضيق).
وأجابه الثالث فقال : لا أعرف إلا ما قاله علي عليهالسلام وهو قوله كرم الله وجهه : (إذا كانت المعصية حتما ، كانت العقوبة ظلما).
وأجابه الرابع فقال : لا أعرف فيه إلا ما قاله علي عليهالسلام وهو قوله كرم الله وجهه : (ما حمدت الله عليه فهو منه ، وما استغفرت الله منه فهو منك). فلما بلغ ذلك الحجاج بن يوسف قال : قاتلهم الله لقد أخذوها من عين صافية. ينابيع النصيحة / ١٥٧ ١٥٨.
(٢) في (أ) و (ج) : إن. وفي (ب) : إذا. تصحيف.
(٣) أي إلى الشيطان.