فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦)) [القصص : ١٦].
وقال يونس صلوات الله عليه وهو في بطن الحوت تائبا من ظلمه لنفسه ، ومقرا بذنبه: (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٢]. وقال غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم نحو ذلك ، وقال الصالحون نحو ذلك عند زلتهم. فنقول كما قال أنبياؤه ورسله صلوات الله عليهم ، وكما قال الصالحون من عباده ، فنضيف المعاصي إلى أنفسنا ، وإلى الشيطان عدونا ، كما أمرنا ربنا ، ولا نقول كما قال القدريون المفترون : أن الله جل ثناؤه قدّر المعاصي على عباده ، ليعملوا بها وأدخلهم فيها ، وأرادها منهم وقلّبهم فيها كما تقلب الحجارة ، وشاءها لهم وقضاها عليهم حتما ، لا يقدرون على تركها. وأنه في قولهم يغضب مما قضى ، ويسخط مما أراد ، ويعيب ما قدّر ، ويعذب طفلا بجرم والده ، وأنه يحمد العباد ويذمهم بما لم يفعلوا ، ويجزيهم بما صنع بهم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (١).
هذا مع زعمهم أن أفعال العباد كلها طاعتها ومعصيتها صنعه وخلقه ، هو تولى خلقها وإحداثها ، خلافا لقول الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)) [الواقعة : ٢٤]. (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)) [الزخرف : ٦١]. وقوله لأهل المعاصي : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٦٢]. و (ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [التوبة / ٩ ، المجادلة / ١٥ ، المنافقون / ٢]. و (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور / ١٦ ، التحريم / ٧]. فكفروا بالله كفرا لم يكفر به أحد من العالمين ، لعظيم فريتهم على ربهم جل ثناؤه ، ورميهم إياه بجميع جرمهم ، تعالى الله عن إفكهم علوا كبيرا! وتقدس وجل ثناؤه!! أليس في كتابه ، وفي حجة عقول خلقه ، عدله عليهم وإحسانه ، وبراءته من ظلمهم؟! إذ قال جل ثناؤه : (* إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)) [النحل : ٩٠].
فو الله لو لم ينزل على عباده إلا هذه الآية في عدله لكان فيها البيان والنور ، وهي
__________________
(١) سقط من (ب) : ويجزيهم بما صنع بهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا هذا.