والفاسق ـ لله جل ثناؤه ـ عدوّ ، حكم الله فيه (١) ما أنزل من حدوده. من قتله إذا قتل ظلما ، أو أفسد في الأرض بغيا ، وقطع يده إذا كان سارقا ، وجلده إذا زنا ، وإن زنا وهو محصن قتل بالحجارة رجما ، وإذا قذف المؤمنين والمؤمنات جلد الحدّ ، وغير ذلك (٢) من النكال ، لما يكون منه من الفعال ، (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [المائدة : ٣٣]. (٣) مع ما نهى الله عزوجل عنه من ولايته ، وأمر به من جرح عدالته ، وإبطال شهادته ، وسوء الظن به ، والحجر عليه في ماله إذا أنفقه في معاصي ربه ، حتى يؤنس رشده ، وغير ذلك من الأحكام عليه ، من سوء الثناء ، وإلزامه القبيحة من الأسماء ، فليس هو من المؤمنين في أسمائهم ، ولا رضيّ أفعالهم ، لمجانبة المؤمنين في أعمالهم وطيبهم. ولا من الكافرين ولا يسمى بأسمائهم ، (٤) لمخالفته الكافرين في جحدهم ، وفريتهم على ربهم ، واستحلالهم لما حرم الله عليهم. ولا هو من المنافقين لاستسرار المنافقين الكفر في قلوبهم ، ولكنه فاسق. ذلك اسمه ، وعليه حكمه.
وقد بيّن الله جل ثناؤه أن الفاسق اسم من أسماء الذنوب ، لقوله : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات : ٥]. ومن لم يتب من فسقه وظلمه ، فهو من أهل النار ليس بخارج منها ، ولكنه وإن كان في النار فليس عذابه كعذاب الكافر ، بل الكافر أشد عذابا.
فلا يغتر مغتر ، ولا يتّكل متّكل ، على قول من يقول ـ من الكاذبين على الله وعلى رسوله ، صلوات الله عليه وعلى أهله ـ أن قوما يخرجون من النار بعد ما يدخلونها ، يعذبون بقدر ذنوبهم. (٥) هيهات أبى الله جل ثناؤه ذلك!! وذلك أن الآخرة دار جزاء ،
__________________
(١) سقط من (ب) : فيه.
(٢) في (ب) و (د) : الجلد. وفي جميع المخطوطات : وعير ذلك لما يكون من النكال. إلا أنه أشار في (أ) إلى زيادة (لما يكون) ، وهو الوجه.
(٣) الآية هكذا (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ ...) [المائدة / ٣٣].
(٤) في (أ) و (ج) : وطيتهم. ولعلها مصحفة.
(٥) أخرج مسلم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال : بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ، ثم قيل : يا أهل ـ