منهج في مجادلة الخصوم
يقول الإمام القاسم : (.. فلا بد لمن أنصف خصما في منازعته له ومجادلته ، من ذكر ما يرى الخصم أن له فيه حجة من مذهبه ومقالته ، فإذا ذكر ذلك كله ، بان ما فيه عليه وله ، فكان ذلك لباطله أقطع ، وفي الجواب له أبلغ وأجمع). إذا فهو يؤسس لقواعد ثابتة في النظر والجدل على أساس علمي سليم.
فبدأ بعرض مذهب النصارى بفرقها المختلفة في عيسى ، ومجادلتهم بعد ذلك ، واشترط على نفسه الإحسان والدعوة إلى الله بالحكمة والبينة ، وقد جاء من كتب في علم الأديان المقارن من المسلمين ، فاستفاد من أسلوب ومنهج الإمام القاسم في مجادلة أهل الكتاب والرد عليهم كالباقلاني في «التمهيد» ، أو ابن حزم في «الفصل».
واختلفت النصارى في كون الأب والابن والروح القدس ثلاثة متفرقات أو مجتمعات ، واحتاروا بين التوحيد والتثليث وإلى يومنا هذا يمثل التوحيد مشكلة حقيقية عند النصارى ، سيما عند عرض عقائدهم والإقناع بها ، يأتي بعد ذلك اختلافهم حول حقيقة الاتحاد بين هذه الأقانيم الثلاثة ، وكل فرقة لها رأي في هذا الأمر فخالفت اليعقوبية النسطورية ، والملكانية خالفت الفرقتين السابقتين ، فمن الذي نزل الأب أم الابن ، ومن الذي حل في مريم؟ اختلفوا ولهم في ذلك مذاهب مضحكة .. لو حاولت العقول فهمها.
والإمام القاسم تعرض لجميع هذه الآراء وتناولها بالمناقشة والرد ، فبدأ بدعوى الأبوة والبنوة ، فأبطلها من وجوه كلها صحيحة ومقنعة ، ودعاهم للإنصاف فقال : (ولا بد لنا ولكم من الإنصاف ، فيما وقع بيننا وبينكم من الاختلاف ، فإن نحن تناصفنا ائتلفنا ، وإن فارقنا التناصف اختلفنا).
فمعاندة الحقيقة يؤدي إلى مناصرة الباطل ونبذ الحق ودفع العدل ، ويعود ليؤكد لهم أن الإنصاف فيه خلاصهم من اللبس ، والتأويل يدفع بالتأويل ، ولا خير فيه عند الاختلاف ، ولا يصلح إلا عند الاتفاق ، وقد اتفق الجميع على (أن أصدق الشهادات كلها وأعدلها ، خمس شهادات يلزمنا وإياكم أن نقبلها :
١ ـ فأولها : زعمنا وزعمتهم ، شهادة الله.