الكرامية
ثم ظهرت الكرامية على يد محمد بن كرام المتوفي سنة ٢٥٥ ه (١) في بلاد ما وراء النهر ، ووجدت لها ناصرا في الدولة الغزنوية ومحمود بن سبكتكين سلطانها (٢) ، وصار لها أشياع وأتباع بالآلاف في عصر مؤسسها ، وظل المذهب موجودا ، وله أتباع الآن بالملايين ، فلما ذا؟ ..
لما عاش المذهب وناصره العامة ، ودافع عنه في عصره وبعده الحنابلة ، يبدوا أن ما يحمله من عقائد تشبيهية وتجسيمية أقرب إلى قلوب العامة من غيره.
يقول الشهرستاني : (شبع رجل متنمس بالزهد من سجستان ، يقال له أبو عبد الله بن كرام ، قليل العلم ، قد قمش من كل ضغثا ، وأثبته في كتابه ، وروجه على اغتام غزنة وغور وسواد بلاد خراسان ، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا ، وقد نصره سبكتكين السلطان ، وصب البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج ، وهم مجسمة ، حاشا محمد ابن الهيصم ، فإنه مقارب) (٣).
إذا نحن أمام مذهب تكوّن من فضلات أفكار كونت ثوبا مرقعا من التشبيه والتجسيم في التوحيد اقتربوا به من الخوارج وورثوا بها مدرسة مقاتل بن سليمان ، وداود الجواربي من المجسمة.
وتتلخص آراء الكرامية في العقيدة في أن الله جسم لا كالأجسام والغلو في إثبات الصفات الخبرية والعقلية ، فقالوا بالعرشية والجسمية والتحيز والنزول والمجيء .. إلخ (٤).
ويقول الشهرستاني عنه : (إن الله أحدي الذات ، أحدي الجوهر) ، والله عزوجل بذلك جسم لا كالأجسام ، وله وجود وبقاء وذات لا كغيره ، ويتناهى من جميع
__________________
(١) انظر الشهرستاني في الملل ١ / ٢١ ، ١٠٦ ، ١٢٤ ، ١٢٩.
(٢) انظر ابن كثير في البداية والنهاية ٢ / ٢٧ وما بعدها.
(٣) الشهرستاني السابق ١ / ١٠٦.
(٤) انظر الأشعري في المقالات ١ / ٢٠٥ وما بعدها.