خافه واتقاه ، فأخبر جلّ جلاله أنه جعل لأهل التقوى الكرامة والرضى ، والارتضاء في المعاد والمثوى.
وتأويل (خالِدِينَ فِيها) ، فهو : بقاؤهم أبدا بعد المصير إليها (١).
تفسير سورة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته رحمة الله عليه عن قوله سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ)؟
فقد يكون أنزلنا : جعلنا ، كما قال سبحانه : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥] ، (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦].
وتأويل أنزل ، في ذلك جعل ، فيمكن أن يكون جعل القرآن كله ، وأحدثه وأتمه وأكمله ، فيما ذكر تبارك وتعالى من ليلة القدر المذكور ، والقدر : فهو وقت وقّته (٢) الله جلّ ثناؤه من أوقات الدهور ، وقد يكون القدر ، هو الجلالة والكبر ، كما يقال : إن لفلان أو لكذا وكذا قدرا ، يراد بذلك أن له لجلالة وكبرا ، فإن كان (٣) وقتا فهو وقت ذكره الله وكرّمه ، بما قدّر فيه من أموره المحكمة ، ومن الأدلة على أن الله جعل القرآن
__________________
(١) عن أبي خالد عن زيد بن علي عليهماالسلام في قوله تعالى : (مُنْفَكِّينَ) معناه : زائلون عما هم عليه منتهون عنه.
وقوله تعالى : (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) معناه : دلالة ، وقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) معناه : مسلمون ، ويقال : متبعون ، ويقال : حجاج.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) معناه الخلق الذين برأهم الله تعالى ، معناه : خلقهم ، وقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) معناه : خاف ربه. تفسير الغريب / ٣٩٩.
(٢) في (ب) : فهو وقت قدّره الله.
(٣) في (ب) : يكون.