تفسير سورة العلق
بسم الله الرحمن الرحيم
سألت أبي رحمة الله عليه عن تفسير : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢))؟
ف [قال :] تأويل (اقْرَأْ) ، فهو أن يقرأ ، وتأويل اسم ربه الذي أمر أن يقرأ به فهو بسم الله الرحمن الرحيم ، الذي قدم له في تعليمه كل سورة عند الإقراء له والتعليم. وربه: فهو الله الذي خلق خلقه ، فخلق الإنسان من علق إذا ما خلقه. والعلق : فهو الدم الأحمر المؤتلق ، الذي يتلألأ لشدة حمرته ويبرق ، فيما ذكره الله سبحانه من علق الدم ، وخلق الناس كلهم غير آدم وحواء فإن حواء خلقت من آدم ، وخلق آدم من تراب ، فلم يخرج آدم وحواء من بين ترائب وأصلاب ، كما خرج من بين الصلب والترائب غيرهما ، ولكنه كان من الله سبحانه ابتداؤهما وتدبيرهما ، من غير أصل مقدم ، من أب ولا أم ، وكان ما بين ذلك من التباين والفرق ، في الصنع والفطرة والخلق ؛ إذ خلق آدم من تراب ، وخلق نسله من علق من أعجب العجاب (١) ، وأدل الدلائل على قدرة الخالق ، على ما خلق مما يشاء أن يخلقه جلّ ثناؤه من الخلائق ، وعلى أن قدرته سبحانه فيما يخلق من خليقته ، واحدة غير ولا متشتتة متفرقة (٢) ، على أقدار ما يرى من افتراق البدائع ، والخلق المفطورة والصنائع ، كما قال سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النحل : ٤٠] ، فأخبر سبحانه أنه لا يختلف عليه في قدرته البدائع والكون ، وأن قدرته في ذلك كله لا تتفاوت ، وإن تفاوت الخلق المبتدع المتفاوت.
ثم أمر تبارك وتعالى رسوله بالقراءة باسمه أمرا مثنى ، وكل ذلك فواحد في الإرادة والمعنى ، إلا أن التكرير غير التفريد ، في زيادة الأمر والتوكيد ، والتكثير فأكثر في الرحمة ، وفي زيادة المن والنعمة ، بالعلم والتعليم ، والأمر والتفهيم ، وفي كل كلمة من كلمات
__________________
(١) في المخطوطتين : العجائب. ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) في المخطوطتين : غير متشتتة ولا متفرقة. ولعل الصواب ما أثبت.