مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣)) [الفتح : ١ ـ ٣].
وتأويل (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)) ، فهو رفعه لذكره ، بما أبقى في الغابرين إلى فناء الدنيا من أمره وقدره ، ومن ذلك النداء في كل صلاة باسمه ، وما جعل (من الشرف به لقومه ، فضلا عما منّ به على ذريته وولده ، ومن يشركه في الأقرب) (١) من نسبه ومحتده ، فنحمد الله الذي رفع ذكره ، وشرّف أمره.
ثم أخبر سبحانه في السورة نفسها من أخبار غيوبه خبرا مكررا ، فقال تبارك وتعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)) ، فبشره بأن له مع عسره يسرا في دنياه ، وأن له مع ذلك يسرا لا يفنى في أخراه (٢).
ثم أمره سبحانه إذا هو فرغ من أشغاله ، ومما يقاسي في هذه الدنيا من عسر أحواله ، فقال عزوجل : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)) والنّصب : فهو الاجتهاد ، والجد والاحتفاد ، كما يقال : اللهم لك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد. فذكر أنه لما أنزل على رسوله ما أنزل في هذه السورة من آياته ، فعبد رسول الله (٣) حتى عاد كالشن البالي في عبادته ، شكرا لله وحمدا ، وتذللا وتعبدا (٤).
__________________
(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين سهوا.
(٢) في المخطوطتين : آخرته. وما أثبت أوفق لأسلوب الإمام.
(٣) في (أ) : رسوله.
(٤) عن أبي خالد عن زيد بن علي عليهماالسلام في قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) معناه : إثمك ، وقوله تعالى: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) قال : إذا ذكرت ذكرت معي فيقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) معناه يكون الرجاء أعظم من الخوف ، وقوله تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ) من أمر دنياك (فَانْصَبْ) معناه : فصل واجعل وثبتك إلى الله عزوجل.
وفي مجمع البيان ٦ / ١٧٦ عن الباقر والصادق : (فَانْصَبْ) إلى ربك بالدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك ، وفيه عن الصادق : الدعاء دبر كل صلاة.