تفسير سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألت أبي صلوات الله عليه عن تفسير : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)) [الضحى : ١ ـ ٢]؟
فقال : والضحى إضحاء النهار وشدة ضوئه وظهوره ، وسجوّ الليل : فتراكب ظلمته وتكوّره ، كما قال سبحانه : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) [الزمر : ٥].
وتأويل : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)) [الضحى : ٣ ـ ٥] ، فخبر من الله لرسوله ، صلّى الله عليه وعلى آله ، عن أنه وإن لم يعطه ما يعطيه ويكثره أهل الدنيا في دنياه ، فما تركه فمن حسن النظر في ذلك له لا لبغضه وقلاه (١). والقالي : فهو الشاني ، والشانئ : فهو المبغض ، وكل ذلك فهو بغض ، ولكنه آثره بكرامته له في آخرته على أولاه.
وأخبره سبحانه أن سوف يعطيه ، من عطايا الآخرة ما يسره ويرضيه ، ثم ذكّره سبحانه بفضله ونعمته ، وبما منّ به عليه من رحمته ، فقال تبارك وتعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠)) [الضحى : ٦ ـ ١٠] ، وقد علم الناس أنه قليل من الأيتام من يؤوى ، (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) فأغناه ، بما لم يستغن به غيره في دنياه ، (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، فهداه بما منّ به عليه من الهدى.
ثم نهاه تعالى عن اليتيم أن يقهره ، وعن السائل أن ينهره ، وأمره من الحديث بنعمة ربه بما به أمره ، أن ذكّره من اليتم والفاقة بما ذكّره ، وقرر بمعرفة ذلك بما قرره ، فقال تبارك وتعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)) [الضحى : ١١] ، تأويل (فَحَدِّثْ) فهو فخبّر ، وانشر ذلك واذكره وكثّر ، فكان بمن الله لما ذكّر به ذاكرا ، ولنعم الله فيها
__________________
(١) في المخطوطتين : فقلاه. ولعل الصواب ما أثبت.