[وجوب الإمامة ودليلها]
سألت يرحمك الله عن الإمامة ووجوبها ، وما الدليل إن كانت واجبة على ملتمس مطلوبها ، فأما وجوب الإمامة ودليله ، فوحي كتاب الله عزوجل وتنزيله ، فاسمع لسنته في الذين خلوا من قبلك تفهم ، وتفهّم متقدّم أوليها عن الله (١) تعلم ، فإنه يقول عزوجل ، ونحمده فيما نزل ، من محكم كتابه : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢)) [الأحزاب : ٦٢]. ويقول تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)) [البقرة : ١٨٣]. وهذا (٢) يرحمك الله لكي تعتبر بمنزل بيانه ، في أشباه حكمه في الأمم واستنانه.
ثم أخبر تعالى عما جعل من الإمامة في بني إسرائيل ، قبل أن ينقل ما نقل منها إلى ولد إسماعيل ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤)) [السجدة : ٢٣ ـ ٢٤]. وقال سبحانه ـ ما أنور بيانه! ـ فيما نزل من قصص خليله إبراهيم ، وما خصه الله به في الإمامة من التقديم ، وما كان من دعاء إبراهيم وطلبته ؛ لإبقائها من بعده في ذريته : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)) [البقرة : ١٢٤] ، خبرا منه سبحانه أن عهده فيها إنما هو منهم للمتقين ، فلم يزل ذلك مصرفا بينهم ، لم يخرجه الله تعالى منهم ، بعد وضعه له فيهم ، وإنعامه به عليهم ، حتى كان آخر مصيره في الرسالة ما صار إلى إمام الهدى محمد صلوات الله عليه ، فكان خاتم النبيين ، ومفتاح الأئمة المهتدين.
ثم قال تعالى بعد هذا كله ، دلالة على أن محمدا وارث خليله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ
__________________
(١) سقط من (أ) : عن الله.
(٢) سقط من (أ) و (ج) و (د) : و :