ولا بد لهذه الآباء ، التي قامت على الأبناء ، من أن تكون في المبتدأ ، وعند أول المنشأ ، من الجهالة في مثل حال أبنائها ، محتاجة إلى تربية آبائها ، ولا بد كيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى من أبناء يقوم عليها آباؤها ، وآباء كانوا كذلك في الأصل إذ ابتدئ إنشاؤها ، في مثل (١) حد أبنائها ، من جهلها وقلة اكتفائها ، حتى يعود ذلك إلى أب واحد ، منه كان (٢) ابتداء النسل والتوالد ، ولا بد للأب الأول من أن يكون أدبه وتعليمه ، على خلاف أدب من يكون بعده ، إذ لا أب له ولا يكون أدبه وتعليمه إلا من الله ، أو من بعض من يؤدبه ويعلمه من خلق الله ، فإن كان من مخلوق (٣) أخذ أدبه ، فلا يخلو ذلك من أن يكون الله أو غيره أدّبه ، وكيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى ، فلا بد من (٤) أن يعود إلى أن (٥) خلق ابتداء أدبه من قبل الله الأول البديّ ، ولا بد للأب الأول ، الذي هو أصل التناسل ، من أن يكون مؤدّبا معلّما للجوامع ، (٦) من معرفة جهات المضارّ والمنافع ، مخلوقا على الفهم ، وقبول أدب المعلم ، ليتم بذلك من فهمه ، نفع تعليم معلمه ، فيقوم به على نفسه ، وعلى من معه من ولده ، من الأخذ لهم بأدبه ، وعقاب مذنبهم بذنبه ، وثواب محسنهم بإحسانه ، وتوقيف كلّ على ضره ونفعه ، كي يتم بذلك ما أريد لهم من البقاء ، وعنهم من تأخير مدة الفناء.
[طبقات حياة الخلق]
وكذلك (٧) هم في الخلق ، مجرون في طبق بعد طبق ، مصرفون (٨) مدة بقائهم ، بين
__________________
(١) سقط من (ب) : مثل.
(٢) سقط من (أ) : كان.
(٣) في (ب) و (د) : المخلوق.
(٤) سقط من (ب) : من.
(٥) العبارة مستغلقة ويبدو أن هنا سقطا في الكلام.
(٦) في (أ) : الجوامع.
(٧) في (ب) و (د) : كذلك.
(٨) في (أ) : مصرفون في مدة. وفي (ج) : مصروفون من مدة. وفي (د) : مصرفون من مدة.