[حكمة التشريع]
ثم جعل للمتأدبين فيه بأدبه ثوابا ، وعلى المخالفين إلى ما نهاهم (١) عنه عقابا ، فكان كل إنسان أولى بمعتمله (٢) ، وأحق بما ملكه الله من أهله ، ولو تركوا فيه بغير إبانة دليل ، أو كانوا (٣) خلّوا في خلاف له من التنكيل ، لوثب بعضهم فيه على بعض ، ولفني أكثر من في الأرض ، لما يقع في ذلك من الحروب ، واغتصاب النساء والنهوب ، ولكان في ذلك لو كان من الفساد ، في معرفة الرحم والأولاد ، ما يقطع تعاطف الرحمة ، وما جعله الله سببا للنسل والتربية ، إذ لا يعرف والد ولدا ، ولكنه وضع للنكاح في ذلك حدا ، بيّن كنهه ومداه ، ونهى كل امرؤ أن يتعداه ؛ ليعرف كل إنسان ولده فيغذوه ، وتعطفه رأفة الأبوة عليه فلا يجفوه ولا يعدوه ، وكذلك ليتم ما أريد بالناس من التناسل والبقاء ، إلى غاية ما قدر لهم ودبّر (٤) من الانتهاء.
وإذا كان ـ الناس على ما ذكرنا مأمورين في الغذاء ، ومحدودة (٥) لهم وعليهم الحدود في مناكحة النساء ـ لم يكن لهم أن يتناولوا (٦) من ذلك شيا ، رفيعا كان منه أو دنيّا ، إلا على ما جعل الله لهم ، وقدّر بحكمه (٧) بينهم. وإذا كان ذلك كذلك ، وحكم الله فيه بما حكم به من ذلك ، لم ينل طالب منهم مطلوبه ، ولم يدرك محب فيه محبوبه ، إلا بشديد معاناة ، وعسير مقاساة ، من العلاج (٨) والاعتمال ، وحركة كسب الأموال ، التي بها يوصل إلى مطلوب الغذاء ، ويوجد السبيل إلى محبوب مناكحة النساء. ثم ليس
__________________
(١) في (ب) : إلى ما نهاهم. مصحفة. وفي (د) : إلى ما نهى عنه.
(٢) في (ب) و (د) : بمتعلمه. مصحفة.
(٣) في (أ) : وكانوا.
(٤) سقط من (ب) : ودبّر.
(٥) في (ب) : محدوده.
(٦) في (ب) : ينالوا.
(٧) في (أ) و (ج) و (د) : حكمه.
(٨) العلاج : المحاولة.