قلنا : فمنهما بعينهما ، ومن بيان فرض الله فيهما ، صح فرض الإمامة ، وأنها هي أولى منهما بالتقدمة ، فأقبلوا قبل الاستماع ، وتفهموا فإن الفهم سبب الانتفاع ، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : ٩]. وإنما تكون الجمع جمعا ، إذا كانت هي والإمام معا ، بل ربما تقدمها فكان أمامها ، كتقدم الرسول عليهالسلام لفرضها ولحكمها ، (١) ومن كانت تعقد له فمتقدّم (٢) قبل تقدمها ، مع أنه إذا صح أنها إنما تكون بالأئمة ، لهم عليها معقول التقدمة ، فهذا دليل فرض الإمامة من الصلاة.
فأما دليل فرضها من الزكاة ، فمن قول الله جل ثناؤه : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٠٣) [التوبة : ١٠٣]. والأئمة مكان الرسول عليهالسلام في أخذها ، ووضعها بعد الأخذ في مواضعها ، وإذا قيل : خذ فالأخذ غير شك ولا امتراء ، قبل ما يكون من إعطاء أو إيتاء (٣).
فهذا دليل على فرض الإمامة من الزكاة ، إلى ما قدمنا بيانه من فرضها بالصلاة.
وفي القرآن على من أبى الإمامة وإثباتها ، حجة من الله في فرضه لها أثبتها ، من ذلك قوله جل ثناؤه في بني إسرائيل : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢٤) [السجدة : ٢٤]. وقوله سبحانه في إبراهيم صلى الله عليه : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤]. وما سأل إبراهيم منها لولده ، وما رغب إليه (٤) سبحانه فيها من إبقائها فيهم من بعده ، إذ يقول صلى الله عليه : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١٢٤) [البقرة : ١٢٤]. فأبى (٥) سبحانه أن يجعلها من ولده إلا للمتقين ، فهذه خاصة الله لرسله في أبنائهم ، وعطية الله لأبناء
__________________
(١) في (ب) : وبحكمها.
(٢) في (أ) و (ج) : فمقدم.
(٣) في (ب) و (د) : إبآء.
(٤) في (ب) و (د) : إلى الله.
(٥) في (ب) : فأبى الله سبحانه.