منهم ولا لبيب ، وانحسروا (١) عن الجواب له قاصرين ، وغلبوا بمنّ الله صاغرين ، ولو وجدوا على ذلك قوة ، (٢) لأجابوا فيه ـ مسرعين ـ الدعوة ، ولو كان (٣) ما جاء به بشريا ، لكان بعضهم عليه قويا ، لتشابه البشر ، في القول والنظر ، (٤) والهيئات والصور.
ولعلم (٥) الله بعجزهم عن أن يأتوا بسورة واحدة من سوره ، أو بشيء مما جعله فيه من هداه ونوره ، ما يقول أرحم الراحمين ، لرسوله وللمؤمنين : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) [هود : ١٤] ، فهل بعد هذا من تقرير أو برهان أو تبصير لقوم يعقلون؟!
ومن ذلك ومثله ، ما يقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى أهله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [الإسراء : ٨٧] (٦) ، فكفى بهذا ومثله وبأقل أضعاف منه والحمد لله تعريفا وتقريرا (٧).
وفيما برّأ الله كتابه من الاختلاف والتناقض ، وما خصّه به (٨) من الحكمة والبعد من التداحض ، (٩) ما يقول سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٨٢) [النساء : ٨٢] ، فهو الذي برّأه الله من كل تناقض واختلاف وطهره تطهيرا ، فلم ينظر بعين قلب مبصرة ، ولا تمييز نفس زكية (١٠) مطهرة ، من خفي عنه أن تنزيل الكتاب ، لا يمكن أن يكون من غير رب الأرباب ، لعجز كل من سوى
__________________
(١) الانحسار : الانكشاف. والمراد هنا : العجز.
(٢) في (أ) و (د) : حجة.
(٣) في (ب) و (ه) ، ولكان ما جاء به بشريا (مصحفة). وفي (ج) : لو كان من جاء به بشرا.
(٤) في (ج) : والبطر.
(٥) في (ب) و (ه) : لعلم.
(٦) في (ب) و (ه) : وكفى.
(٧) في (ب) و (ه) : لله تقريرا وتعريفا.
(٨) في (ج) : الله.
(٩) التداحض : البطلان.
(١٠) سقط من (ج) : زكية.