[طرد النبي للمتشبهين بالنساء]
فلم يكن صلى الله عليه يساكن ، ولا يجاور ولا يقارن (١) ، إلا من آمن بالله ، وكان وليا لله ، ولقد نفى صلى الله عليه غير واحد من أهل ملته ، ممن جاوره بفسوق في محل هجرته ، فمن ذلك مخنّث (٢) كان في المدينة كان فيه لين وتكسير ، فنفاه من المدينة إلى جبل من جبالها يقال له عير ، (٣) فابتنى في ذروة الجبل كنّا ، وكان الجبل وعرا خشنا ، فلم يزل ذلك الكنّ له مسكنا حتى مات رحمهالله (٤). وتوفي صلىاللهعليهوآله ، فلما حضر موته ، وقد كانت حسنت توبته ، حتى دعي في أيام عثمان ، ولا أحسبه إلا وقد دعي قبل ذلك فيما كان لأبي بكر وعمر من الأيام ، إلى المدينة والتحول إليها وترك
__________________
(١) في (أ) : ولا يقارب (تصحيف).
(٢) في (ب) : في من (مصحفة). والمخنث : ـ بكسر النون وبفتحها ـ من يشبه النساء في حركاته وكلامه. والمشار إليه : اسمه هيت وكان من سبب نفيه ما روي أنه كان يدخل على نساء النبي (ص) فدخل يوما دار أم سلمة ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندها ، فأقبل على أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، وقال : إن فتح الله عليك بالطائف غدا فعليك ببادية بنت غيلان بن معتب فإنها مبتلة هيفاء ، شموع نجلاء ، إن قامت تثنت ، وإن قعدت تبنت ، وإن تكلمت تغنت ، تقبل بأربع وتدبر بثمان ، مع ثغر كالأقحوان ، وثدي كالرمان ، أعلاها قضيب ، وأسفلها كثيب ، وبين رجليها كالقعب المكبوب ، فهي كما قال قيس ابن الحطيم :
تغترق الطرف وهي لاهية |
|
كأنما شف وجهها نزف |
بين شكول النساء خلقتها |
|
قصد فلا جبلة ولا قضف |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله حين سمع كلامه : لقد غلغلت النظر ، ما كنت أحسبك إلا من غير أولي الإربة ، وكان رسول الله (ص) يضحك من كلامه ويظن ذلك نقصا من عقله ، فلما سمع منه ما سمع ، قال لنسائه : لا يدخل هيت عليكن. وأمر أن يسير إلى خارج. فبقي هنالك حتى قبض رسول الله (ص) ، فلما ولي أبو بكر كلم فيه فأبى أن يرده ، فلما ولي عمر كلم فيه فأبى أن يرده ، فقيل له : إنه قد كبر وضعف واحتاج ، فأذن أن يدخل كل جمعة. قيل : ويرجع إلى مكانه.
أخرجه البخاري فتح الباري ٩ / ٢٧٤ ، وأبو داود ٢ / ٧٠٠ رقم (٤٩٤٩).
(٣) في (أ) : ثبير. وعير وثبير وجبلان ، عير بالمدينة وثبير بمكة.
(٤) في (ب) حتى توفي رحمة الله عليه ، فلما. وفي (ج) و (د) : حتى مات وتوفى رحمة الله عليه.