[الهجرة واجبة في كل الديانات]
ومن تشديد الله لفريضته في المهاجرة (١) للظالمين وتأكيدها ، أن الله سبحانه لم يجعل للمؤمنين ولاية لمن (٢) لم يقم بها ويؤدّها ، فقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢] ، فمنع سبحانه المؤمنين من ولايتهم وإن آمنوا ، إذا أقاموا في دار عدوّه فلم ينتقلوا ولم يظعنوا ، وأبى تبارك وتعالى لأوليائه ، أن يوالوا ـ وإن آمن ـ من لم يهاجر دار أعدائه ، نظرا منه سبحانه للأولياء ، وتطهيرا لهم (٣) عن مجاورة الأعداء.
وهل رأيتم من يجاور عدوه وهو يجد من جواره بدّا؟! إلا أن يكون ممن لم يهبه الله توفيقا ولا رشدا ، وهل رأيتم لبيبا مجاورا للسباع؟! وهو يقدر منها على الامتناع ، أو مقاربا للأفاعي وأولادها ، وله سبيل ومنتدح (٤) إلى إبعادها ، فبكم ترون من ظلم وتعدى ، أضر وأخبث وأردى ، مقاربة ـ والله المستعان ـ ومجاورة ، وأكثر لمن جاوره نكاية ومضرة ، وإن من ظلم وكفر وفجر ليضرك وإن نحا ، فكيف يحالّ فيما كان له منزلا وبلدا وملجا ، إن هذا لضلال ـ والحمد لله ـ ما يخفى ، وجفاء في دين الله لا يأتيه إلا من جفا.
ولقد قرأنا مع ما علّمنا الله في التنزيل ، ما في أيدي هذه النصارى من الإنجيل.
فإذا فيه : أن طائفة من الأشرار ، أبناء الظلمة والفجار ، جاءوا يطلبون التوبة للرياء (٥) إلى يحيى بن زكريا ، صلى الله عليه ، فقالوا له : طهرنا فقد تبنا إلى رب السماء ،
__________________
(١) في (ب) و (د) : الهجرة.
(٢) سقط من (ب) : لمن.
(٣) سقط من (ب) : لهم.
(٤) منتدح : سعة.
(٥) سقط من (ب) : للرياء.