ودمرت القرى والمدن ، إذ لم يكن فيها إلا ظالم معتد ، (١) ومجاور لمن ظلم غير مهتد ، فلم يستحق الهلكة والتدمير من الفريقين إلا مذنب مجرم ، يستوجب أن ينزل به من الله جل ثناؤه التدمير والنقم.
[هلاك جبابرة الأمم]
فاسمعوا لخبر الله عمن دمر بالظلم من القرون والقرى. فإن به عبرة وموعظة شافية لمن يبصر ويسمع ويرى ، قال الله سبحانه : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧) [الإسراء : ١٦ ـ ١٧] ، فخص الله مترفيها بالذكر في الفسق ، وإن كان كل أهلها فساقا في حكم الحق ؛ لأن (٢) أهلها إنما هم مترف أو جبار ، أو مساكن لهم وجار ، فكلهم فاسق عن أمر ربه ، وكل فإنما أخذ بذنبه.
وفي تذكير الله بإهلاكه للقرى (٣) ، ما يقول الله سبحانه مذكرا : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) [الأعراف : ١٦٣ ـ ١٦٥] (٤) ، فكان أهل القرية ثلاث فرق ، نسبها الله إلى العتا والفسق ، وفرقة من الفرق الثلاث معذرة
__________________
(١) في (ب) و (د) : متعدّ.
(٢) في (ب) و (د) : ولأن.
(٣) في (ب) الفري.
(٤) سقطت الآية الثانية من قوله : وإذ قالت من (أ) و (ج).