به من هجرة الظالمين عليه ، ففي أقل من (١) ذلك كفاية وغنى ، ونور لمن هداه الله وضياء ، فقد جاءت من الله في ذلك كله البينة المضية ، ووصلت إليه فيه سنن رسله وأوليائه المقبولة عند الله المرضية ، التي جعلها الله سبحانه (٢) من بعدهم صلى الله عليهم تذكرة كافية ، وحجة على كل من آمن بالله وموعظة بليغة شافية.
[هجرة المؤمنين السابقين]
وليسمع قول أصحاب الكهف إذ يقولون وهم هاربون ، من قومهم في الله فارّون : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) (١٦) [الكهف : ١٦] ، فذكر اعتزالهم لأشخاصهم وأبدانهم ، قبل ذكرهم لاعتزال أصنامهم وأوثانهم ، وكانوا معتزلين لهم هاربين منهم إلى كهف (٣) الجبل ، مفارقين لله وفي الله الآباء والأهل ، مهاجرين بذلك في الله ، من كان عدوا لله.
وأمر (٤) الله سبحانه لبني إسرائيل بالخروج من قرى فرعون ، ففيه بينه ظاهرة جلية في الهجرة لقوم يعقلون ، قال الله لا شريك له لموسى وهارون صلوات الله عليهما ورضوانه : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٧) [الشعراء : ١٦ ـ ١٧] ، وقال سبحانه : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٥٢) [الشعراء : ٥٢] ، فأمرهم سبحانه بهجرة عدوّه وأخبرهم بأنهم (٥) سيتبعون ، لتشتد عليهم فيما أمرهم به من ذلك المحنة ، ولتعظم لهم ومنهم به في طاعتهم لله(٦) الحسنة ، فلم يمنعهم خوفهم لفرعون وجنوده ، من المضي لما عهد الله إليهم
__________________
(١) سقط من (ب) : من.
(٢) سقط من (ب) : من.
(٣) في (أ) : إلى الكهف في جبل.
(٤) في (ب) و (د) : فأمر.
(٥) في (ب) و (د) : أنهم.
(٦) في (أ) و (ج) : في طاعة الله.